ب- وقيل: هو ممتنع مطلقاً لأن المستثنى فى حاجة إلى المستثنى منه - فى هذه الحالة - من جهة اللفظ والمعنى حيث لم يعهد استعمال إلا الاستثنائية وما فى معناها إلا متصلة بما قبلها لفظاً، ومعنى كذلك لأن ما قبلها مشعر بتمام الكلام فى المعنى، إذ قولك: ما فى الدار أحد هو الذى صحح: إلا الحمار. فلو قلت: إلا الحمار وحده لكان خطأ.
ج- وقيل: الأمر يحتاج إلى تفصيل، فإن صرح بالخبر جاز لاستقلال الجملة واستغنائها عما قبلها، وإن لم يصرح به - أى الخبر - فلا يجوز لافتقارها. ()
وبالجملة، فإن معرفته بعلم النحو تجعله لا يقف على العامل دون المعمول، ولا على المعمول دون العامل، ولا على الموصول دون صلته، ولا على المتبوع دون تابعه، ولا على الحكاية دون المحكى، ولا على القسم دون المقسم به، أو غير ذلك مما لا يتم به المعنى. يضاف إلى ذلك أن الوقف قد يكون تاماً على إعراب غير تام على إعراب آخر، فظهر بذلك ضرورة العلم بالنحو لمن يقوم بتحديد مواضع الوقف والابتداء.
2 - العلم بالقراءات: لأن الوقف قد يكون تاماً على قراءة، غير تام على قراءة أخرى.
3 - العلم بالتفسير: لأن الوقف قد يكون تاماً على تفسير معين، غير تام على تفسير آخر.
4 - العلم بالقصص: حتى لا يقطع قبل تمام قصة.
5 - العلم باللغة: التى نزل عليها القرآن.
هذه الشروط اشترطها ابن مجاهد، ونقلها عنه السيوطى موجزة. () واشترط غير ابن مجاهد العلم بالفقه كذلك.
قال صاحب هذا الرأى: ولهذا فإن من لم يقبل شهادة القاذف وإن تاب فإنه يقف عند قوله تعالى: ((ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا)) ()، وأما من قالوا بقبول شهادته إذا تاب ومن جملة ذلك إقامة الحد عليه، أقول: هؤلاء يصلون الآية بالآية التى بعدها ((إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا))
قال النكزاوى مقرراً ضرورة علم الفقه للقارئ:
لابد للقارئ من معرفة بعض مذاهب الأئمة المشهورين فى الفقه؛ لأن ذلك يعين على معرفة الوقف والابتداء؛ لأن فى القرآن مواضع ينبغى الوقف على مذهب بعضهم فيها بينما يمتنع على مذهب آخرين. ()
والذى ينبغى علمه أن كلاً من التفسير والوقف مرتبط بالآخر، وهذه الحقيقة نتصورها أحياناً فى القراءة الواحدة، وأحياناً فى القراءات المختلفة.
قال السيوطى مقرراً هذه الأخيرة: الوقف قد يكون تاماً على قراءة غير تام على أخرى … .. والوقف يكون تاماً على تفسير وإعراب غير تام على تفسير وإعراب آخر. () ومثال هذا: الوقف على ((لا ريب)) () فإنه يكون تاماً إن جعلنا ((فيه هدى)) مبتدأً وخبراً وهو اتجاه نافع وعاصم، ولو جعلنا الجار والمجرور (فيه) متعلقاً بـ (لا ريب) فالوقف يكون على (لا ريب فيه) ويستأنف بعد ذلك بـ (هدى للمتقين) أى: هو هدى، فعلى الأول الوقف تام على قول أصحاب الوقف، وعلى المعنى الثانى الوقف كاف. ()
أمثلة تطبيقية تؤكد مدى ارتباط
كل من التفسير والوقف بالآخر غير ما ذكر
1 - قال تعالى:
((هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا)) ()
وشاهدنا من هذه الآية هو قوله سبحانه: ((وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم……)) حيث قال الجمهور (): الوقف على قوله: (إلا الله) وقف تام. وقال غيرهم: ليس تاماً بل يوصل بما بعده ولا يوقف عليه.
تفسير الآية على رأى الجمهور:
الله عز وجل فى هذه الآية يذكر لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وللناس أجمعين أنه أنزل القرآن فيه المحكم الواضح، والمتشابه غير الواضح () ثم بين بعد ذلك أن أهل الزيغ الحاقدين يتبعون هذا المتشابه بهدف التشكيك وإثارة البلبلة بين صفوف المؤمنين، مع أن المتشابه لا يعلمه إلا الله وحده فقط، وعلى ذلك فالجملة التى بعد هذا الوقف وهى قوله: (والراسخون فى العلم يقولون …….) ليست معطوفة على لفظ الجلالة، بل الواو للاستئناف و "الراسخون" مبتدأ وجملة "يقولون" خبر فالجملة هذه مقطوعة إذن عما قبلها، وقد قال بهذا القول كل من:
¥