تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلغياب كثير من أسس القرآن وأصوله عن فهم الناس وسلوكهم آثرنا أن يكون البحث في التفسير الموضوعي مقتصرًا على القرآن الكريم فحسب، فإنه الوسيلة الوحيدة التي تصحح المواقف والمفاهيم المتعلقة بالوجود ودور الإنسان فيه، وما يتصل بذلك من حقائق ومبادئ) انتهى.

إذا كان يستطيع أخذ هذه الأمور من القرآن مباشرة فأين دور السنة؟

وهل يعني قوله هذا الناس قد فهموا أسس وأصول السنة، فلم يحتاجوا إلى بين ذلك لهم، وبقي عليهم بيان أسس وأصول القرآن فقط؟!

ألا يمكن أن يرد على هذا الكلام: ما الفرق بين القرآنيين الذي لا يرون الأخذ بالسنة لاعتقادهم باكتفاء القرآن ببيان كل شيء؟

إنني أقول بكل ثقة: إن من سلك في دراسة بعض الموضوعات الإسلامية الكبيرة أسلوب التفسير الموضوعي قد ألزم نفسه بما لا يلزم، وادخلها في مضايق هو في غنى عنها، فلماذا هذا التجزئة لمتلازمين لا ينفكان: الكتاب والسنة؟!

أما أقوال السلف (الصحابة والتابعون وأتباع التابعين) عندهم فهي كالسنة من جهة عدم إضافة عنوان بسبب قول من أقوالهم.

لكن الموضوع الذي لم يبينه أحد ممن اطلعت على كلامه في التفسير الموضوعي هو: كيف سيفهم معنى الآيات؟ هل سيعتمد على مصادر التفسير المعروفة، أو سيجتهد اجتهادًا خاصًّا خارج إطار هذه المصادر؟

لقد جاء الحديث عن الإفادة من تفسير السلف عند أصحاب التفسير الموضوعي كلامًا مبهمًا مجملاً لا يدلُّ على الأسلوب الذي سيتعامل به هؤلاء مع أقوالهم التي لا يمكن لمفسِّر جاء بعدهم أن ينفك عنها البتة.

وقد جعلوا تفاسير السلف مادة للتوضيح لا يُستقى منها عناوين موضوعات في البحث، وهذا فيه انفكاك من أمر لا ينفك البتة، خصوصًا إذا كان البحث في دراسة (لفظة أو جملة من خلال القرآن).

فمثلاً، لو كنت تبحث في موضوع (القنوت في القرآن)، وجعلت من عناوينك الرئيسة:

القنوت: الطاعة الدائمة

ثمَّ استدللت بقوله تعالى: ((كل له قانتون) فإن السؤال الذي سيرد هنا: من أين استقيت عنوانك هذا؟

فالجواب: إما أن يكون من دلالة اللغة، وإما أن يكون من تفسير المفسرين، وكلا المصدرين عندهم لا يُبنى منه عنوان.

ففي مثل هذه الحال، هل يمكن الانفكاك من تفسير السلف؟!

أعود فأقول: إن طريقة التفسير الموضوعي هذه فيه إلزامٌ بما لا يلزم.

وهناك مسألة أخرى في تفسير السلف لم يبيِّنها أصحاب التفسير الموضوعي، وهي: كيف يتعامل مع اختلاف السلف في تفسير لفظة أو جملة من آية؟

هل سيُعرضُ عن الاختلاف ويختار ما يراه متوجِّهًا مع بحثه؟

هل سيناقش الاختلاف، ثمَّ يرجِّح ما يظهر له؟

وهل سيكون ترجيحه هذا موضوعيًا بحيث لا يكون للموضوع الذي اختاره تأثيرٌ على ترجيحه؟

وإذا كان الاختلاف من باب اختلاف التنوع الذي تحتمل الآية فيه الأقوال هل سيستدلُّ بها في مواضع متعدِّدة بحسب ما قيل في معناها من أقوال صحيحة؟

كل ذلك لم يُحرِّره أصحاب التفسير الموضوعي مع أنه لا يمكنهم أن ينفكَّوا عنه، وإنما اكتفوا من تفسير السلف بأن لا يضع عنوانًا مأخوذًا من تفسيرهم.

رابعًا: إن من يقرأ ما كُتِبَ في التفسير الموضوعي من جهتيه التنظيرية والتطبيقية سيجد عدم الاتفاق في كثيرٍ منه، فهذا يستدرك على هذا في التنظيرات، وذاك لا يرضى طريقة هذا في التطبيقات.

ولاشكَّ أن هذه الاستدراكات نابعة من جدَّةِ الموضوع، وعدم وضوحه منذ بداياته في النصف الثاني من القرن الرابع عشر، وهذا يعني أنَّ مجال الاستدراك لازال مستمرًّا.

خامسًا: إن طريقة كتابة التفسير الموضوعي سواء أكان موضوعًا من خلال القرآن أم كان موضوعًا من خلال سورة غير متفقٍ عليها.

فبعضهم ينحى في الكتابة إلى الأسلوب الأدبي والخطابي، فتراه يقلِّب عبارته، ويبدي ويعيد في ألفاظ ينتقيها، ويطيل الكلام في موضوع يمكن إجماله في سطر ونصف السطر.

وقد اطَّلعت على رسائل سارت على هذا الأسلوب، فاستغربت القصد إلى هذا التطويل في العبارات لأجل إثبات قضية يمكن إثباتها وبيانها بأقل مما الحال عليه في هذه الرسائل، حتى ظهر لي أن هذا الأسلوب مقصودٌ لذاته، ولا تتمُّ الرسالة إلا به. وهذا ـ في الحقيقة ـ من الحشو الذي يمكن الاستغناء عنه.

وبعضهم ينحى إلى تقرير المسألة تقريرًا علميًا مباشرًا بلا حشو عبارات لا داعي لها، وهذا هو السبيل الأمثل في العلم، لأن الأساليب الخطابية والأدبية لا مدخل لها في إثبات المسائل العلمية، وإنما قد توجد فيها كوجود الملح في الطعام، فإذا زادت فسد الكلام كما يفسد بزيادة الملح الطعام.

سادسًا: من طرائف ما وقع لي فيما يتعلق بهذا الموضوع أني كنت أتحدث مع أستاذ من أساتذة الثقافة الإسلامية في كلية الشريعة بالرياض، فقلت له: ألا يوج موضوعات علمية قدِّمت لكم وصار بينكم وبين قسم الدعوة بكلية الدعوة والإعلام منازعة في الموضوع، هل هو من موضوعات الثقافة الإسلامية أو من موضوعات الدعوة الإسلامية؟

فقال لي بل قد تكون المنازعة بين ثلاثة أقسام، وهي قسم القرآن وقسم الثقافة وقسم الدعوة، حينما يكون من موضوعات التفسير الموضوعي.

وأخيرًا أقول: إنني على غير قناعة بالمطروح في التفسير الموضوعي، لا من جهة الاصطلاح، ولا من جهة التنظير والتطبيق. وأتمنى لو صُحِّحَ مسار هذا الموضوع، إذ فيه نفع وفوائد كثيرة، لكن بعد ترشيده وتسديده.

أسأل الله أن يجعل هذا الكلام من باب النصح والتصويب لا من باب التثريب، وأسأله أن يرينا ـ جميعًا ـ الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير