فإن كان فيه نفع يعود على الناصح فأنت تتريث وتفكر وتقول: قد يكون نصحني لأمر في نفسه، قد ينفعه، لو لم ينفعه لم ينصحني هذه النصيحة.
لو ترك الله تعالى لقمان يوصي ابنه لكان ممكنا أن يظن الولد أن الوالد ينصحه بهذا لينتفع به، ولكن انتفت المنفعة هنا فالموصي هو الله وليست له فيه مصلحة.
ـ وقال: (ووصينا)، ولم يقل: وأوصينا
والله تعالى يقول (وصّى) بالتشديد إذا كان أمر الوصية شديدا ومهماً، لذلك يستعمل وصى في أمور الدين، وفي الأمور المعنوية
"وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 132" البقرة
"وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ 131" النساء
أما (أوصى) فيستعملها الله تعالى في الأمور المادية: "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ" النساء
لم ترد في القرآن أوصى في أمور الدين إلا في مكان واحد اقترنت بالأمور المادية وهو قول السيد المسيح: "وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً 31" مريم
في غير هذه الآية لم ترد أوصى في أمور الدين، أما في هذا الموضع الوحيد فقد اقترنت الصلاة بالأمور المادية وقد قالها السيد المسيح في المهد وهو غير مكلف أصلا.
قال وصى وأسند الوصية إلى ضمير التعظيم (ووصينا) والله تعالى ينسب الأمور إلى نفسه في الأمور المهمة وأمور الخير
ـ ولم يقل بأبويه بل اختار بوالديه
الوالدان مثنى الوالد والوالدة، وهو تغليب للمذكر كعادة العرب في التغليب إذ يغلبون المذكر كالشمس والقمر يقولون عنهما (القمران)
والأبوان هما الأب والأم ولكنه أيضا بتغليب المذكر ولو غلب الوالدة لقال الوالدتين، فسواء قال بأبويه أو بوالديه فهو تغليب للمذكر، ولكن لماذا اختار الوالدين ولم يقل الأبوين؟
لو نظرنا إلى الآية لوجدناه يذكر الأم لا الأب: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ
فذكر أولا ا لحمل والفطام من الرضاع (وفصاله) ولم يذكر الأب أصلا
ذكر ما يتعلق بالأم (الحمل والفصال) وبينهما الولادة
والوالدان من الولادة، والولادة تقوم بها الأم
إذن: أولا (المناسبة) فعندما ذكر الحمل والفصال ناسب ذكر الولادة.
ثانيا: ذكره بالولادة وهو عاجز ضعيف، ولولا والداه لهلك فذكره به.
ثالثا إشارة إلى انه ينبغي الإحسان إلى الأم أكثر من الأب، ومصاحبة الأم أكثر من الأب، لأن الولادة من شأن الأم وليست من شأن الأب.
لذلك فعندما قال (بوالديه) ذكر ما يتعلق في الأصل بالأم، ولذلك فهذه الناحية تقول: ينبغي الإحسان إلى الوالدة قبل الأب وأكثر من الأب
ولذلك لا تجد في القرآن الكريم البر أو الدعاء أو التوصية إلا بذكر الوالدين
لا الأبوين
أمثلة:
"وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً 23" الاسراء
" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً 36" النساء
" قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً 151" الأنعام
وكذلك البر والدعاء والإحسان
"رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ 41" ابراهيم
" رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً28" نوح
"وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً 8" العنكبوت
" وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً 15" الاحقاف
لم يرد استعمال (الأبوين) إلا مرة في المواريث، حيث نصيب الأب أكثر من نصيب الأم، أو التساوي في الأنصبة
لكن في البر والتوصية والدعاء لم يأت إلا بلفظ الوالدين إلماحا إلى أن نصيب الأم ينبغي أني كون أكثر من نصيب الأب
¥