[البلاغة .. بين الإلغاء والوجوب]
ـ[فريد البيدق]ــــــــ[31 - 03 - 2005, 09:28 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
[البلاغة .. بين الإلغاء والوجوب]
لقد بدأت البلاغة تطبيقية عندما سئل أبو عبيدة: كيف يشبه الله تعالى ما لا يعرفه الناس بما لا يعرفه الناس في قوله تعالى: " .. طلعها كأنه رؤوس الشياطين"، في مجلس من مجالس الخلفاء؛ فألهمه الله تعالى الجواب مسترشدًا بما قاله امرؤ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال
قال أبو عبيدة ذلك، ثم انتهى المجلس وانصرف منه أبو عبيدة حاملا الفكرة التي بدأت بها البلاغة.
وتوالت بعده الجهود وتراكمت المباحث شيئا فشيئا منطلقة من التطبيق، وبرز من هذه الجهود جهدان خلال هذه المسيرة أحدهما كان جهد عبدالقاهر الجرجاني و الآخر كان جهد السكاكي. وكان الجهدان متغايران منهجا ورؤية؛ فلقد انطلق الجرجاني عبر العناوين العامة محللا الأمثلة وقد يعنْون بعضها وقد لا، أما السكاكي فإنه قد انطلق وفق منهج التقعيد العلمي الذي يبرز الجزئيات ويحللها ويفصلها ويعنونها. ثم جاءت عصور الشروح والحواشي على الشروح.
ثم جاء العصر الحديث فانبعث كتابا الجرجاني " أسرار البيان – دلائل الإعجاز"، وانبعثت البعثات إلى الغرب، وظهرت الاتجاهات النقدية الغربية، وظهرت التعاليق الفنية والنظرات النقدية الصحفية. ظهر كل ذلك فأدى إلى انقلاب المعظم – إن لم يكن الجميع إن أصالة وإن تقليدا- على السكاكي الذي أصاب البلاغة –وفق منهجهم- بالقحط الجمالي والجدب الفني، وبالمقابل تم إعلاء وتعظيم الجرجاني مفجر الطاقات الفنية للنصوص ولامس الأسرار الفنية البلاغية. ومن ثم رفض هذا المعظم- إن لم يكن الكل- تقسيمات الفنون؛ فمثلا التشبيه عندهم تشبيه فقط دون العناوين الفرعية التي تفصل صوره وتختص كل صورة بعنوان مثل التشبيه المرسل أو المؤكد أوالبليغ أو التمثيلي .... وهكذا في سائر الفنون.
ويتعجب المرء كثيرا عندما يعلم أن هذه الرغبات- ولن أسميها فِكَرا أو رؤى- نابعة من بعض من ينتمون لأقسام البلاغة والنقد في جامعاتنا؛ حيث يعرض أحدهم الاتهامات وينطلق مع تحليلاته مهملا ما يراه عائقا أمام تيار الفن السيال. ومما يزيد التعجب في موقفهم هذا إهمالهم المسلمات الآتية:
1 - ليس هناك تضارب بين الجرجاني والسكاكي؛ إذ كل منهما يكمل الآخر ولا ينفيه.
2 - الخبرة- أية خبرة- لاتُنقل إلا إذا حُددت المفاهيم وجُردت وبُوبت؛ لذا كان منهج السكاكي هو الملائم لنقل خبرة البلاغة وتعليمها.
3 - الجرجاني وظف والسكاكي صنع الآلة، فمن امتلك الآلة له أن يوظفها كما يشاء.
4 - إن من أراد الفن فلن يحرمه السكاكي ومن يريد التعلم فلن يستغني عن السكاكي.
5 - ينبغي التفريق بين التعليم والممارسة الفنية.
ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[01 - 04 - 2005, 12:26 ص]ـ
أستاذنا الفاضل فريد بيدق
موضوع مهم وحساس فجزاك الله خيرا على فتحه في هذه الصفحة
فلطالما رأينا الهجوم على علوم البلاغة بحجة جمودها
وفي ذلك شيء من الصحة ولكن ليس كما يصورونه
وما دفع إلى رفض علوم البلاغة هو أنها أصبحت تعتمد على الشواهد القديمة فلا تغير أو تبدل
ولا تستكشف معالم الجمال الفني بل تكتفي ببيان أركان الصورة حسب المنهج التعليمي والقواعد التي وصلت إليها
فالأمر بحاجة إلى حياة تتدفق في شرايين تلك القواعد بأمثلة حية وسعي حثيث في بيان مواطن الجمال أو مكامن الضعف في الصورة
وهذا الدور يبدأ من المعلم الذي يبتدئ توصيل علم البلاغة إلى الطلاب فيجب أن يعلمها على أنها فن وذوق
ثم ينمو الأمر عند راغبي الاختصاص
فالجمود نحن الذي نصنعه وبيدنا أن نكسره ونحلق في آفاق اللغة البديعة بجناحي الذوق الفني والقواعد المقننة وكل منهما يكمل الآخر كما تفضلت
والتقعيد ليس عيبا فكل علم يستمد من استقراء التطبيقات وينتهي باتقعيد
وعلينا لا نجعل القواعد تسيطر علينا فنوجه لها اهتمامنا علىحساب الجمال الفني وهو مقصود البلاغة الحقيقي
ولعل استكشاف الجمال البلاغي في آيات الكتاب الحكيم أعظم معين على إذابة الجليد الذي كسيت به عباراتنا عند الحديث عن البلاغة، فإنه أكثر ما يؤكد حيوية اللغة وجمال تعبيرها
ـ[فريد البيدق]ــــــــ[11 - 07 - 2006, 01:15 م]ـ
الكريم "أنوار الأمل"؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،
دام هذا التفاعل واتصل!!