[البلاغة الخالدة]
ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[31 - 05 - 2005, 01:26 ص]ـ
[البلاغة الخالدة]
ثمة تعبيرات تناسب العصر الذي قيلت فيه، ثم تفقد أهميتها وتفاعل الناس معها أو إحساسهم بمعانيها بمرور الزمن
ولكن التعبيرات القرآنية خالدة وصالحة لكل زمان ومكان، فلا تغمض على أحد، ولا تخفى في زمن، وها نحن ننقل لكم هذه الفقرات من كتاب البيان في ضوء أساليب القرآن للأستاذ عبدالفتاح لاشين حول اختلاف الأذواق في قبول التشبيه، وخلود تشبيهات القرآن، وكنايات أنكرتها البيئة.
يقول المؤلف متحدثا عن أحد التشبيهات العربية الشهيرة: اقتضت ظروفُ العرب ومعيشتهم القاسية طولَ الترحل، والإقامةَ في الصحراء، فكانوا إذا أقبل الليل وأظلم الجو، تخيروا جبالا عاليا وأوقدوا في قمته نارا تهدي الضال وتؤنس الساري، حتى إذا لجأ إليها وجد عندها الأمنَ والقِرى. تعرف القافلة فضلَ هذا حين تضل في الصحراء في الليالي الشاتية التي يغطي السحابُ نجومها، وحين تغيب معالم الطريق وتختفي دروبه، فإذا بدت هذه النار وسط هذا الظلام الحالك، هدأت النفوس وأنست، وضمنت الراحة والقرى.
هذا الجبلُ الموقد في قمته النار، وتلك الصفة الشائعة لدى العرب جعلتها الخنساء لأخيها صخر مثلا، فقالت:
فهذا التشبيه عندما يسمعه العربي يطرب له، ويترنح لهذه الصورة التي قد منها تمجيد صخر. لكننا اليوم لا نشعر بجمال تلك الصورة، فكم من معاصرينا خبَرَ طولَ الرحلة في الصحراء أو عانى السير فيها أو حدثته نفسه ليقوم بجولة طويلة ليتعرف على حياة أهلا وعاداتهم؟ ولهذا لا يحس الحضَري هذا التشبيه وما فيه من معاني المجد والفخار كما كان يحسه العربي، وأصبحت تلك التشبيهات وأمثالها مما لا نشاهدها ولا ننفعل بها تردُ تقليدا ومحاكاة، وهما لا يغنيان في التوضيح وحسن الصورة.
أما تشبيهات القرآن فهي تشبيهات خالدة خلود الزمن، دائمة دوام الدهر، لا تختلف باختلاف العصور ولا تتفاوت بتفاوت الزمان، عناصره عناصر الطبيعة الناطقة بعظمة الله، الشاهدة بآثاره، ماثلة أمام البشر معروفة لديهم، شائعة بينهم وحاضرة بين أيديهم ... فنجد أن القرآن الكريم يأخذ صور تشبيهاته من نبات الأرض وحيوانها وجمادها التي بين أظهرهم وتحت أعينهم.
يقول تعالى: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (يّس:39) فهذا القمر الذي يملأ الليل بهجة وضياء ويحيل وحشته أنسا يصبح نحيلا مقوسا تتخطاه العيون وتزدريه الأبصار.
ويقول سبحانه: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ. خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) (القمر:7) فالمشبه به الجراد الدائم الانتشار حتى يكون التشبيه دقيقا في تصوير تلك الجموع الخارجة من القبور المنتشرة في كل مكان.
وهكذا نجد أن عناصر التشبيه في القرآن تستمد من الطبيعة أمام أعين الناس القربية من أذهانهم مما جعلها خالدة وباقية على مر العصور، وإن قل المشبه به وضَؤل أمره، فهو لا يُعنى بنفاسة المشبه به، وإنما العناية كلها باقتراب الصورتين في النفس وشدة وضوحها فالقرآن يختار من الصور الأدبية ما يمكن أن يكون من الصور العالمية التي تظل موحية والتي يظل فعلها لقوي الساحر مهما اختلفت البيئات وتتابع الزمن.
والأمر نفسه نجده في الكنايات العربية، فكان جبنُ الكلب وهُزالُ الفصيل دالا على الكرم، يقول أحد الشعراء: < وما يكُ فيّ من عيبٍ فإني ** جبانُ الكلب مهزولُ الفصيل >
فكنى عن كرمه بكنايتين: الأولى كثرة قصاده وزواره، فلا ينبح كلبه زائرا، ولا يهاجم قادما. الثانية تقديم القِرى لضيفانه من لبنِ نياقه، ويذبح منها فيطعمهم ويحرم الفصيلَ لبنَ أمه، أو يحرمه أمَّه فيجوع ويضعف، وكان ذلك من دلائل الكرم، إلا أننا الآن لا نشعر بما تدل عليه ولا نفهمه إلا بعد أن يُشرح لنا، لأنها كنايات مضى زمن دلالتها، ولم تعد الأذواقُ الآن تستسيغ استعمالها، ولم تبق دلالتُها على تلك المعاني إلا نقلا وحفظا وتقليدا.
لكنّ هناك كناياتٍ خالدة، واضحة الدلالة في كل وقت لبنائها على شيء طبيعي لايكاد يختلف باختلاف العصور، وهذا النوع نراه في القرآن الكريم في مثل قوله تعالى دلالة على الندم: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) (الفرقان:27) ونراها في قوله تعالى كناية عن نظر الحسد والعداوة: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) (القلم:51)
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[31 - 05 - 2005, 01:27 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
معان بيانية رائعة .. ترقى فيها الروح الى العلا ..
بارك الله فيكم .. اخت انوار ..
وننتظر منكم المزيد إن شاء الله ..
¥