[بدائع القرآن الكريم]
ـ[أحلام]ــــــــ[17 - 12 - 2004, 07:33 م]ـ
بدائع القرآن:
ليس البديع في يد الفنان حلية تقتسر، ولا زينة يستغنى الكلام عنها، ولا زخرفة يأتي دورها، بعد أن يكون المعنى قد استوفى تمامه.
ولا يجئ مكانه في المرتبة الثالثة، بعد استيفاء علمى المعاني والبيان حقهما، فإن الإنتاج الأدبي يبرز إلى الوجود في نظمه الخاص، وبه الصور البيانية، والمحسنات البديعية دفعة واحدة، فكأنما هذا المحسن البديعى جاء في مكانه ليقوم بنصيبه من أداء المعنى أولا، أما ماجاء فيه من جمال لفظي فقد جاء من أن تلك الكلمة بالذات يتطلبها المعنى ويقتضى المجيء بها.
وليس كل ماذكره علماء البديع بألوان جمال تستحق أن تذكر بين المحسنات وذلك يتطلب معاودة النظر في دراسة هذه الألوان لاستيفاء الجميل وحذف مالا غناء فيه ..
· أما ما ورد في القرآن مما نعده محسنات بديعية فقد وردت الألفاظ التي كان بها الحسن البديعى في مكانها، يتطلبها المعنى ولا يغنى غيرها غناءها،
· خذ ماورد في القران الكريم من الجناس التام كقوله تعالى {يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار* يقلب الله الليل والنهار* أن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار}
· تجد كلمة الأبصار الأولى مستقرة في مكانها فهي جمع بصر، ويراد به نور العين الذي تمّيز بين الأشياء،
· وكلمة الأبصار الثانية جمع بصر بمعنى العين،
· ولكن كلمة الأبصار هنا أدل على المعنى المراد من كلمة العيون، لما أنها تدل على ما منحته العين من وظيفة الإبصار، وهي التي بها العظة والاعتبار، فأنت ذا ترى أن أداء المعنى كاملا تطلب إيراد هذه الكلمة، حتى إذا وردت رأينا هذا التناسق اللفظي.
واقرا قوله تعالى {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة} فكلمة (الساعة) الأولى جيء بها دالةعلى يوم القيامة، واختير لذلك اليوم هذا الاسم هنا للدلالة على معنى المفاجأة والسرعة، وكلمة (ساعة) الثانية تعبر أدق تعبير عن شعور هؤلاء المجرمين فهم لا يحسون انهم قضوا في حياتهم الدنيا برهة قصيرة الأمد جدا حتى يعبروا عنها ببرهة أو دقيقة مثلا، ولا بفترة طويلة يعبرون عنها بيوم مثل، ا فكانت كلمة (ساعة) خير معبر عن شعورهم بهذا الوقت الوجيز.
· وما ورد في القرآن من جناس ناقص، فسبيله سبيل التام، وانظر إلى قوله تعالى {وهم ينهون عنه وينأون عنه، وان يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون} ألا ترى أن موقف الكفار من القرآن أنهم يبعدون الناس عنه، كما يبعدون أنفسهم عنه فعبّر القرآن عن ذلك بكلمتين متقاربتين ليشعر قربهما بقرب معنييهما .. ويطول القول إذا مضينا في بيان كيف حلت كل كلمة في جمل الجناس محلها بحيث لا تغنى كلمة اخرى في هذا الموضع غناءها، ولابد أن أشير إلى تلك الآيات التي ورد فيها بعض ألوان من الجناس مثل قوله تعالى {فأما اليتيم فلا تقهر و أّما السائل فلا تنهر}
· وقوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}
· وقوله {والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق}
· وقوله سبحانه {ولقد أرسلنا فيهم منذِرين فانظر كيف كان عاقبة المُنذَرين}. فأنت ترى النهى عن القهر جاء إلى جانب اليتيم، بمعنى الغلبة عليه والاستيلاء على ماله و أما السائل فقد نهى عن نهره وإذلاله فكلا الكلمتين جاء في موضعه الدقيق، كما وردت كلمتا (ناظرة وناضرة) أي مشرقة وإشراقها من نظرها الى ربها، وقد توازنت الكلمتان في جملتيهما لما بينهما من صلة السبب بالسبب واختيار كلمة (المساق) في الآية الثانية لتصور هذه الرحلة التي ينتقل فيها المرء من الدنيا إلى الآخرة فكأنه سوق مسافر ينتهي به السفر إلى الله.
· وفي كلمة (مُنِذِرين) ما يشير إلى الربط بينهم وبين (المُنذَرين) الذين أرسلوا إليهم، ..
· وقل مثل ذلك في قوله تعالى {ويل لكل همزة لمزة} فان شدة التشابه بين الكلمتين يوحي بالقرابة بينهما مما يجعل إحداهما مؤكدة للأخرى، فلهمزة المغتاب واللمزة العيّاب، فالصلة بينهما وثقى كالصلة بين الفرح والمرح في قوله تعالى {ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون} وإيثار كلمة النبأ في قوله سبحانه {وجئتك من سبا بنبأ يقين} لما فيها من معنى القوة، لأن هذه المادة تدل على الارتفاع والنتوء والبروز والظهور، فناسب مجيئها هنا ووصف النبأ تأكيدا لقوته باليقين.
¥