[الصيغة القرآنية الثرية]
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[26 - 05 - 2005, 07:48 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إن الصيغة القرآنية صيغة ثريّة بمضامينها، ولا غرو في ذلك .. ما دام هذا الكتاب قد أنزل للإنسانية في جميع عصورها وأطوار حياتها، وما دام منزله سبحانه وتعالى قد أراده أن يكون معجزاً في نظمه ومعناه. وكيف يكون خالداً إذا كانت صيغته مما لا يحتمل من التفسير سوى وجه واحد من وجوه المعاني؟
فلو لم تكن هذه الصيغة بهذه المرونة وذلك الثراء، لكان للناس العذر في تجاوز هذا الكتاب بما يمليه عليهم التطوّر الفكري الهائل إلى جانب تطوّر آلية الفهم. وذلك من طبائع الأشياء. ومن الأمور التي لا جدال فيها أن الأمم تتقلّب كما يتقلّب الأفراد في أطوار شتّى. فمن الحكمة في سياستها وهدايتها أن يُصاغ لها من التشريعات ما يناسب حالها في جميع أطوارها. وهذه الحكمة قد روعيت بلا أدنى شكّ في هذه الرسالة الخاتمة.
ونضرب لك مثلاً جميلاً على تجلّيات المعاني المتجدّدة في القرآن الكريم، قد أورده الدكتور محمد عبد الله دراز - رحمه الله تعالى - في كتابه (النبأ العظيم).
ففي قوله تعالى: " وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ "، يقول الدراز رحمه الله: أنظر كم في هذه الكلمة من مرونة:
- فإنك لو قلت في معناها: إنه سبحانه يرزق من يشاء بغير محاسب يحاسبه ويسأله: لماذا بسط لهؤلاء، وقَدَرَ على هؤلاء، أصبت.
- ولو قلت: يرزق بغير تقتير ولا محاسبة لنفسه عند الإنفاق خوف النفاد، أصبت.
- ولو قلت: يرزق من يشاء من حيث لا يحتسب، أصبت.
- ولو قلت: يرزق بغير معاتبة ومناقشة له على عمله، أصبت.
- ولو قلت: يرزقه رزقاً كثيراً لا يدخل تحت حساب، أصبت.
ثم قال: ولعلّك لو وكلت النظر فيها إلى غيرك، رأى فيها أكثر مما رأيت، وهكذا تجد كتاباً مفتوحاً مع الزمان، يأخذ كل منه ما يُسرّ له، بل ترى محيطاً مترامي الأطراف، لا تحدّه عقول الأفراد والأجيال.
ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[26 - 05 - 2005, 08:06 م]ـ
هو ذلك يا أستاذنا الفاضل جزاك الله خيرا
القرآن ثري بمعان متعددة تحتملها الآية فيه
وكلها متآلفة منسجمة بلا تعارض
بل تعطي كل امرئ من المعنى ما يناسب مستوى فكره وفهمه
وتقدم معاني متعددة لموقف واحد وكلها جائزة .. توسعا وانفساحا وبعدا عن التضييق وحصر المضامين إلا فيما يستوجب ذلك
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[26 - 05 - 2005, 08:34 م]ـ
الأخ لؤي
الآية (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ))
لم أقرأ أي تفسير فيها
هل يمكن أن يقال أن الرزق هنا بمعنى عطاء الآخرة بدلالة ما قبلها
(وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ)؟؟
أجبني فقد عهدتك ثاقب النظر
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[26 - 05 - 2005, 10:52 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
شكر الله للأخت أنوار الأمل هذه الكلمات الطيبة المعبّرة بحق عما في القرآن من معان عجيبة ..
وشكر الله للأخ الفاضل جمال إدلاءه برأيه ..
أما بالنسبة لتساؤلك أخي الكريم .. فإن سياق الآيات يحتمل أن يكون المراد منه ما يعطي الله المتقين في الآخرة من الثواب، ويحتمل أن يكون المراد ما يعطي في الدنيا أصناف عبيده من المؤمنين والكافرين ..
فقد قيل: اتصال هذه الجملة بما قبلها من تفضيل المتقين يوم القيامة يدلّ على تعلقها بهم، فقيل: هذا الرزق في الآخرة، وهو ما يعطى المؤمن فيها من الثواب، ويكون معنى قوله: بغير حساب، أي بغير نهاية، لأن ما لا يتناهى خارج عن الحساب، أو يكون المعنى: أن بعضها ثواب وبعضها تفضيل محض، فهو بغير حساب.
وقيل: هذا الرزق في الدنيا، وهو إشارة إلى تملك المؤمنين المستهزأ بهم أموال بني قريظة والنضير، يصير إليهم بلا حساب، بل ينالونها بأسهل شيء وأيسره، قاله ابن عباس، وقال نحوه القفال، قال: قد فعل ذلك بهم بما أفاء عليهم من أموال صناديد قريش، ورؤساء اليهود، وبما فتح بعد وفاته على أيدي أصحابه.
وقيل ما معناه: إنها متصلة بالكفار، وقال الزمخشري يعني: أنه يوسع على من توجب الحكمة التوسعة عليه، كما وسع على قارون وغيره، فهذه التوسعة عليكم من جهة الله لما فيها من الحكمة، وهي استدارجكم بالنعمة، ولو كانت كرامة لكان أولياؤه المؤمنون أحق بها منكم، انتهى كلامه.
وقيل: يحتمل أن يكون المعنى: والله يرزق هؤلاء الكفرة في الدنيا، فلا تستعظموا ذلك، ولا تقيسوا عليه الآخرة، فإن الرزق ليس على قدر الكفر والإيمان، بل يحسب لهذا عمله وهذا عمله، فيرزقان بحساب ذلك، بل الرزق بغير حساب الأعمال، والأعمال مجازاتها محاسبة ومعادة، إذ أجزاء الجزاء تقابل أجزاء الفعل المجازى عليه، فالمعنى: إن المؤمن وإن لم يرزق في الدنيا، فهو فوق الكافر يوم القيامة.
فالناظر في التفاسير يجد أنها جمعت بين الإحتمالين ..
والله أعلم