لماذا ينزل الله كتاباً بلغة قوم بعينهم، وهو ينوى أن يدعو الناس كلهم لهذا الكتاب؟
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[31 - 10 - 2004, 06:06 م]ـ
من فوائد منتدى الجامع للحوار الإسلامي النصراني
المصدر ( http://www.aljame3.com/forums/index.php?showtopic=3001&st=20)
لماذا ينزل الله كتاباً بلغة قوم بعينهم، وهو ينوى أن يدعو الناس كلهم لهذا الكتاب؟
والإجابة سهلة إن شاء الله .. فإن البشر يتناقلون مؤلفات الأمم بينهم بوسيلة الترجمة، ووسيلة الترجمة نافعة فى نقل معانى القرآن، أو ذلك الكتاب الذى ينزله الله بلغة قوم بعينهم، إلى لغات باقى الأمم .. وها هم النصارى العرب كتابهم بغير العربية، ومع ذلك يفهمون معانيه، ولو إجمالاً، ويتبعون تعاليمه حين يريدون، دون أن يمنعهم من ذلك حاجز اللغة.
فالذى يطالب الله بأن يؤتيه صحفاً منشرة بلغته هو، فهو متعنت متكلف، لأن ترجمة المعانى تهدم حاجز اللغة، وتبيح لأى شخص أن يتبع التعاليم التى يرشد إليها هذا الكتاب، فيهتدى بهداه، ويستضىء بنوره.
فإن قيل:
هذا ينفع مع كل كتاب خلاف القرآن، لأن القرآن لا يهتدى الناس بهداه فقط، وإنما هو نفسه الهدى والمعجزة فى نفس الوقت، فنحتاج لمعرفة العربية لإدراك الإعجاز ..
قلنا:
إن مجرد معرفة العربية لا ينفع فى إدراك الإعجاز على وجهه .. وها هم العرب الآن أكثرهم يحسب من أهل العربية، لكنه لا يستطيع أن يدرك إعجاز القرآن اللغوى والبلاغى .. وإنما يشترط لإدراك ذلك: علو القدر فى معرفة فنون العربية وطرائقها .. وهذا يتسنى لأقل العرب الآن، لا لأكثرهم، فضلاً عن جميعهم.
فإن قيل:
كيف تقنعون الناس ـ غير المقتدرين فى فنون العربية ـ بأن فى القرآن إعجازاً لغوياً وبلاغياً؟
قلنا:
الحجة قامت بعجز العرب الأوائل وقت مبعث النبى عليه الصلاة والسلام، فهم ـ كافرهم ومؤمنهم ـ أفصح من نطق بالضاد، وأبلغ من ألقى الشعر ودبج الخطب .. وقد أثبت التاريخ عجزهم عن مدافعة القرآن ومعارضته .. والأجيال من بعدهم لا تتفوق عليهم فى هذا المجال .. فغير المطلع على فنون العربية يقتنع بإعجاز القرآن، عن طريق إطلاعه على النقل، فينقل له عجز المشركين عن معارضة القرآن، مع حالهم من الحمية والعصبية، والبراعة فى فنون القول والعربية، ومع حال النبى معهم من التحدى وتكراره وطول مدته، وتفضيلهم على إغرائه أولاً، ثم مقاتلته ثانياً، على أن يؤلفوا بعض العبارات يكسرون بها التحدى.
فإن قيل:
كيف تطلب من الأعجمى النصرانى أن يؤمن بإعجاز فى القرآن لا يراه؟
قلنا:
هذا النصرانى يؤمن بمعجزات المسيح ولم يرها! .. وإنما علمها بالنقل .. فيسعه فى التصديق بإعجاز القرآن البلاغى، مثلما وسعه فى التصديق بمعجزات المسيح .. لأنه لم ير شيئاً من ذلك كله .. ولا يملك إلا النقل وسيلة لإدراك الإعجاز والإيمان به.
بل إن أكثر أهل الأرض، وقت نزول الرب عندهم وتأنسه، لم يشهدوا شيئاً من معجزات المسيح، بل نقطع بأن ليس كل فرد فى قوم المسيح رأى معجزات وعاينها .. وليس المسيح بدعاً فى ذلك بين الرسل، بل هو كغيره من الرسل، كل رسول يفعل بعض المعجزات فى قومه، ولا يراها جميع قومه بأعينهم، وإنما يبلغ الشاهد من غاب، ويؤمن الغائب بتواتر نقل الخبر إليه.
وكذلك اليهودى لم يرَ معجزة لموسى، وإنما يؤمن بها لصحة النقل عنده.
ولكن معجزة القرآن تعلو على معجزات المسيح وموسى وباقى الأنبياء! .. وذلك من وجهين:
الأول:
علو سندها وصحته وتواتره .. وليس لأى من باقى الأنبياء شىء من ذلك، ولا أقربهم ـ المسيح ـ له معشار ذلك! .. فإن الإخبار عن معجزات الأنبياء السابقين لا سند لها! .. ناهيك أن نحكم بصحته أو ضعفه! .. ولذلك كان كثير من نقاد الغرب ينكرون وجود شخصية اسمها المسيح أصلاً! .. ناهيك عن أن تكون نبياً أو إلهاً!
والثانى:
¥