[رد قول مفتي عمان في تفسير آية الفرقان]
ـ[فيصل القلاف]ــــــــ[28 - 01 - 2005, 11:36 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد،
فإن الله تعالى يقول في كتابه العزيز: (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون. ومن يفعل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناًَ).
والآية – مع وضوح دلالتها – قد أشكل بها مبتدعة الإباضية فاستدلوا بها على أن مرتكب الكبيرة خالد في جهنم ما لم يتب، فأكتب هذه الكلمات ذباً عن كتاب الله تعالى، وبياناً للحق الذي عليه أهل السنة رضي الله عنهم في هذه المسألة.
وليعلم القارئ الكريم بادئ الأمر أن إشكال المبتدعة بالقرآن واختلافهم مع أهل السنة رضوان الله عليهم فيه، ليس لنقص بيان في القرآن، ولا لخفاء في معانيه، لكن ذلك لعجمة في ألسنتهم وكبر في قلوبهم وقصر في عقولهم، فالله تعالى يقول: (نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين) أي واضح فصيح لا خفاء فيه ولا إشكال.
والشأن أنه لا يمكن أن يحصل من المؤثر - ولو قوي – أثراً – ولو قليلاً - إن صادف محلاً غير قابل للتأثر. فلو صرخت بأعلى صوتك في أذن أصم لا سمع له، أكان يسمعك؟! لا، فهل ذلك لخفتان صوتك؟! أم لعيب فيه هو؟! بل لعيب فيه هو ولا شك. وهذا مثل القرآن مع هؤلاء المبتدعة هداهم الله تعالى. وإن شئت تأمل قوله تعالى: (أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين).
ثم أشرع في الموضوع مستلهماً الله الصواب:
أصل الخلاف في هذه الآية الكريمة ناشئ عن فهم المشار إليه بكلمة (ذلك) من قوله تعالى: (ومن يفعل ذلك يلق أثاماً) فما هو (ذلك) الذي بفعله يستحق المرء الخلود في جهنم؟
الراجح – والله أعلم بمراده – أنها تعود على مجموع ما قبلها، فهي بمعنى: (ومن يفعل ذلك المجموع، أو ذلك الشأن) أو نحو ذلك.
ويشهد لهذه المعنى أن هذا هو الكثير في كتاب الله تعالى.
مثاله قوله تعالى: (والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجاً وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير)، ومعلوم اتفاقاً أن كلمة (ذلك) هنا تعود على كل ما سبقها.
وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم) فقوله تعالى: (ذلكم) عائد على كل التشاريع السابقة لا أحدها.
وقال تعالى: (جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) ومعلوم أن (ذلك) هنا تعود على كل الكرامات السابقة لا على أحدها. ولله الحمد.
فإذا تبين أن كلمة (ذلك) تعود على كل ما سبقها، وعلمنا أن مما سبقها دعوة غير الله تعالى، علمنا أن سبب الخلود في النار، ليس هو مجرد الكبيرة من قتل أو زنا، وإنما هو الجمع بين هذه الكبائر والشرك بالله تعالى معها. وأثر هاتين الجريمتين في العقوبة هو مضاعفة العذاب. وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، ولله الحمد.
فإن أبى مكابر وقال أن كلمة (ذلك) هنا مفرد، ولا يعود المفرد على متعدد، فلا بد أن تكون عائدة على أحد الأمور لا على كلها. ولو عاد على متعدد لكان القول: (تلك) أو (هؤلاء).
فإنا نرد عليه بأنا لم نجعل المشار إليه بكلمة (ذلك) متعدداً، بل هو مفرد، لكنه مركب من أشياء. فالمشار إليه عندنا تقديره (الشأن) أو (المجموع) أو (الأمر) ثم هذا الشأن أو المجموع أو الأمر، يتركب من ثلاثة أشياء، هي الشرك والقتل والزنا. وهذا واضح.
ثم إنا نسألهم عن سبب حملهم كلمة (ذلك) في الآيات المذكورة سابقاً على متعدد، فما أجابونا به هنالك فهو جوابنا لهم هنا، والحمد لله.
ثم إنا نتنزل معهم درجة، فنقول: لتكن كلمة (ذلك) عائدة على أحد الأمور لا على كلها، وليس في الواقع كذلك. فأي الأشياء هي المشار إليه؟
¥