تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من أعلام البلاغة (الجرجاني)]

ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[05 - 01 - 2005, 11:13 م]ـ

إنه عبدالقاهر، ابو بكر بن عبدالرحمن بن محمد الجرجاني، فارسي الأصل، جرجاني الدار، ولد في جرجان وعاش فيها دون ان ينتقل الى غيرها حتى توفي سنة 471 ه. لا نعرف تاريخ ولادته، لأنه نشأ فقيراً، في أسرة رقيقة الحال، ولهذا ايضا، لم يجد فضلة من مال تمكنه من أخذ العلم خارج مدينته جرجان، على الرغم من ظهور ولعه المبكر بالعلم والنحو والأدب. وقد عوضه الله عن ذلك بعاملين كبيرين كانا يعيشان في جرجان هما: ابو الحسين بن الحسن بن عبدالوارث الفارسي النحوي، نزيل جرجان، وأبو الحسن القاضي علي بن عبدالعزيز الجرجاني، قاضي جرجان من قبل الصاحب بن عبّاد.

وقد أخذ العلم عن خاله الشيخ أبي علي الفارسي كما أخذ الأدب على يد القاضي الجرجاني وقرأ كتابه “الوساطة بين المتنبي وخصومه”. والى ذلك يشير ياقوت فيقول: “وكان الشيخ عبدالقاهر الجرجاني قد قرأ عليه، واغترف من بحره، وكان اذا ذكره في كتبه تبخبخ به، وشمخ بأنفه بالانتماء اليه” (معجم الأدباء: 14/ 16).

وتتلمذ عبدالقاهر على آثار الشيوخ والعلماء الذين انجبتهم العربية، فنحن نراه في كتبه ينقل عن سيبويه والجاحظ وأبي علي الفارسي وابن قتيبة وقدامة بن جعفر والامدي والقاضي الجرجاني وأبي هلال العسكري وابي احمد العسكري وعبدالرحمن بن عيسى الهمداني والمرزباني والزجاج.

وقد ترك عبدالقاهر الجرجاني آثاراً مهمة في الشعر والأدب والنحو وعلوم القرآن. من ذلك ديوان في الشعر وكتب عدة في النحو والصرف نذكر منها كتاب “الإيضاح في النحو” وكتاب “الجمل”، أما في الأدب وعلوم القرآن فكان له “إعجاز القرآن" و”الرسالة الشافية في الإعجاز” و”دلائل الإعجاز” و”أسرار البلاغة” وقد أورد في كتابيه الاخيرين، معظم آرائه في علوم البلاغة العربية.

اللفظ والمعنى

إن تبحّر عبدالقاهر الجرجاني في علوم النحو واللغة والبلاغة، جعله يصب اهتمامه على مشاركة المتحدثين عن الإعجاز جهودهم في الوصول الى بعض الحقائق.

وقد وضع “الرسالة الشافية في الإعجاز”، لتأكيد عمله المنهجي في هذا الموضوع الهام، والذي كشف عنه حين قال: “هذه جمل من القول في بيان عجز العرب، حين تحدوا الى معارضة القرآن، وإذعانهم وعلمهم، ان الذي سمعوه فائت للقوى البشرية، ومتجاوز للذي يتسع له ذرع المخلوقين، وفيما يتصل بذلك مما له اختصاص بعلم احوال الشعراء والبلغاء ومراتبهم، وبعلم الأدب جملة، قد تحريتُ الايضاح والتبين، وحذوت الكلام حذواً، هو بعرف علماء العربية أشبه، وفي طريقهم أذهب، والى الأفهام جملة “أقرب” (الرسالة الشافية: 107).

وقد خالف عبدالقاهر الجرجاني الكثيرين رأيهم في الإعجاز، حين زعموا ان إعجاز القرآن، إنما هو “بالصرفة”، أي ان الله صرف العرب عن مضاهاة القرآن. فدفع هذه الفكرة بقوة وإصرار، وألح على تبيان فسادها في مؤلفاته عن الإعجاز، معتبراً ان إعجاز القرآن ليس “بالصرفة”، وانما هو في فصاحته وبلاغته.

فالفصاحة والبلاغة، هما مصدر الإعجاز في القرآن، لا عن طريق تخير الألفاظ ولا الموسيقا ولا الاستعارات وألوان المجاز، وإنما عن طريق النظم، اذ ان نظم القرآن وتأليفه، هما مصدر الإعجاز فيه. يقول الجرجاني: “فإذا بطل الذي أعجزهم من القرآن في شيء مما عددناه .. لم يبق إلا ان يكون في النظم والتأليف”.

(أسرار البلاغة: 109) علما ان النظم الذي يعنيه انما هو توخي معاني النحو وأحكامه فيما بين الكلم، اي ربط الألفاظ في سياق، يكون وليد الفكر، بحيث ينشأ عن ذلك معنى مقصود بذاته دون سواه. ولهذا كانت المعاني لا الألفاظ هي المقصودة في إحداث النظم والتأليف. فلا نظم في الكلم ولا تأليف حتى يعلق بعضها ببعض، ويبنى بعضها على بعض، وبهذا يكون اللفظ تابعاً للمعنى، بحسب ما يقصد فيه ويراد له. ويحدد عبدالقاهر الجرجاني رأيه في ذلك حين يقول: “واعلم ان ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها (دلائل الإعجاز:63)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير