[براعة الرسم بالحروف]
ـ[ياسر الدوسري]ــــــــ[16 - 05 - 2005, 08:09 م]ـ
[براعة الرسم بالحروف]
عادت بي الذكرى إلى الوراء قليلاً، وأنا استرجع رسوماتي السابقة، لما كنت ارسم بقلمي الصغير _لا بريشة رسام ولكن بريشة من تجذبه الصورة الشعرية كنت اجمع ألواني وكراستي وأرسم جبلاً مشيداً كبيراً وأرسم الظلام والنجوم التي تملأ المكان بنورها الذهبي وتحتها رسمت الصورة الخيالية لحبال انطلقت من الجبل لتشد على النجوم على تستقر في مكانه إمعاناً في طول الليل.
وبعد سنوات وبالتحديد في الجامعة في كلية اللغة العربية كان الدكتور يشرح الصورة نفس الصورة السابقة بعد أن تحول إلى الرسم بالكلمات بأسلوبه الأدبي الجميل فيحرك سواكننا وأذواقنا ولو لم تكن الصورة بهذه الروعة والدقة والنقل من المعنويات إلى المحسوسات لما ارتقت لهذه البراعة المتناهية والتي بطلها امرئ القيس عندما يقول:
فيالك من ليل كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل (1)
إن إيحاءات الصورة لما يطلقها الشاعر يطلق معها تفكير القارئ ولا يقيده بل يفتح الباب على مصراعية ليجعل القارئ ينطلق في سبحات عامرة تدفعه هذه الظلال والأضواء لتعطي النص جمالاً أخاذاً.
وما كنت لأنطلق في مشروع علمي لجمع الصورة وما كتب عنها بل كان هاجسي أن أجعل القارئ الكريم يعرف كيف يتلقف الصورة ويسبر أغوارها ثم يتذوقها ويحس بطعمها الرائع.
مفهومها بعضهم عرفها: (ايراد الشئ المعنوي في صورة محسوسة) (2) وبعضهم جعل القصيدة كلها صورة متكونة من مجموعة صور ولابد أن تنطوي الصورة على عناصر الخيال ويتجلى في قول الفرزدق:
أحلامنا تزن الجبال رزانة وتخالنا جناً إذا ما نجهل
ولابد _ لكي تكتمل فنية الصورة_ أن تكون حية نابضة لامية أو جامدة ةوأن تكون مترابطة محكمة لا مترابطة مفككة وبأن تكون مدرسة ممكنة لا محالة أو شاردة وبأن تكون وحدة متكاملة مع غيرها لا أن تمثل تناقضا وغرابة مع سواها (3)
واذا اقتربنا أكثر من الصورة وجدنا أنها تنقسم لقسمين رئيسيين:
القسم الأول: صورة جزئية: وهي التي تنقلنا للمشبه من دون تفصيلاته مثل: (محمد كالبحر في الكرم) هنا أدركنا سعة كرم محمد بتصور كمية البحر في أذهاننا واستطعنا بذلك أن ندرك مدى كرم محمد
القسم الثاني: صورة كلية: وهي التي تدخل إلى تفاصيل المشبه وتحللها مثل قوله تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون)
أتركك أخي تحلق مع هذه الآية وتدرك بفكرك الخيال المحلق في الصورة الرائعة التي تمثل الحركة التي يعملها الحق في القضاء على الباطل بأسلوب هو القمة في الكلام العربي.
ولعلي أكون أوجزت بنقلي لأبعاد الصورة بقسميها لندرك أن الصورة تساعد على فهم النص وتسهم في تطوير ذوق المتلقي لما تمتلك من جماليات غاية في الروعة ولعلي أذكر شيئاً من جمالياتها:
1_ أنها تنقلك من شي إلى شي طريف يشبهه ويكمن ذلك في التشبيه
2_ أنها تنسيك الصورة الأولى وتحمل على تخيل صورة جديدة مليئة بالروعة وتتجلى أكثر في الاستعارة:
قال البحتري:
يسمو بكف على العافين حانية فيها وطرف إلى العلياء طماح
3_ المهارة في تخيير المعنى الأصلي والمعنى المجازي في إطلاق العين على الجاسوس والأذن على سريع التأثر بالوشاية ويظهر في المجاز المرسل والمجاز العقلي.
4_ وربما تعطيك الصورة مصحوبة بدليلها والقضية في طيها برهانها ويظهر جليا في الكناية وشاهدها ما صاغه قلم الخنساء: حمال ألوية هباط أودية شهاد أندية للجيش جرار
أخيراً:
لعلي أكون ساهمت في تقنين الصورة لتفهم فهماً يليق بإسهاماتها ولعلنا نعيد النظر في الاهتمام بهذا الفن وأن نجعله مساندا لأقلامنا عندما نكتب ولا شك أننا سندرب أنفسنا وأجيالنا عليه لأننا حتماً سنحتاج إليه.
الحواشي
1 - يذبل: جبل في مكة
2 - مقدمة في تحليل النصوص للأستاذ محمد المحمود
3 - مقدمة في تحليل نص مالك بن الريب للدكتور رشود السلمي
4 - وعن قرب استفدت من البلاغة الواضحة لمصطفى أمين وعلي الجارم
بقلم / عاشق البيان
عضو نادي القصيم الأدبي
عضو جمعية الثقافة والفنون بالقصيم
ـ[ياسر الدوسري]ــــــــ[23 - 05 - 2005, 06:37 م]ـ
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[23 - 05 - 2005, 07:17 م]ـ
متأسف على عدم التفاعل
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[23 - 05 - 2005, 07:34 م]ـ
قوله تعالى
((بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)) الأنبياء 18
فالحق هنا صخرة جامدة يقذفها المولى على الباطل ذلك الجسم الرخو اللين فيدمغه --أي تصيبه في دماغه--وإصابة الدماغ قتل سريع---والفاء في يدمغه تدل على سرعة زهوق الباطل
والدمغ عند الزمخشري ((د م غ
دمغ رأسه: ضربه حتى وصلت الضربة إلى دماغه. وشجة دامغة. ودمغته الشمس: آلمت دماغه.
ومن المجاز: دمغ الحق الباطل إذا علاه وقهره "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه"))
¥