تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[لا يرى أن السمع أشرف من البصر]

ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[13 - 05 - 2005, 04:40 م]ـ

:::

هذا الكلام التالي جزء من مقال الأستاذ عتوك في شبكة التفسير--أقدمه لكم عسى أن تتدارسوه

[ line]

(( وهو سر تقديم السمع على البصر- فقيل: إنما قدم عليه؛ لأنه أشرف منه، من حيث إنه يُدرَك به من الجهات الست، وفي النور والظلمة، ولا يُدرَك بالبصر؛ إلا من الجهة المقابلة، وفي النور دون الظلمة. وهذا ما ذكره- أيضًا- أصحاب الشافعي، وحكَوْا- هم وغيرهم- عن أصحاب أبي حنيفة أنهم قالوا: البصر أفضل؛ من حيث أن إدراكه أكمل، ونصبوا معهم الخلاف، وذكروا الحجاج من الطرفين.

والتحقيق في هذه المسألة الخلافية:

أن إدراك البصر أكمل؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:” ليس المخبر كالمعاين“. ولكن السمع، يحصل به من العلم لنا، أكثر ممَّا يحصل بالبصر0 فالبصر أقوى وأكمل، والسمع أعم وأشمل .. فهذا له صفة العموم والشمول، وذاك له صفة التمام والكمال. وإذا تقابلت المرتبتان، كان كل واحد منهما مفضلا، ومفضلا عليه. وبذلك يترجَّح أحدهما على الآخر بما اختصَّ به من صفات.

ولهذا قيل: لما كان إدراك القلب والسمع من جميع الجوانب، جُعِل المانع فيهما الختم، الذي يمنع من جميع الجهات، ولما كان إدراك البصر من الجهة المقابلة فقط، خُصَّ المانع فيه بالغشاء، المتوسط بين الرائي، والمرئي؛ كما في قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} (البقرة:7)، وقوله تعالى: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} (الجاثية:23).

وبهذا الذي ذكرناه يظهر لك سذاجة قول من قال: إن السمع قدِّم في القرآن على البصر؛ لأنه أشرف منه، بدليل أن الأذن، التي هي آلة السمع، أفضل وأرقى في الخلق من العين، التي هي آلة الإبصار عند الله؛ لأن الأذن لا تنام أبدًا، ولا تتوقف عن العمل أبدًا، بخلاف بقية أعضاء الجسم.

ولست أدري بماذا يعللون تقديم البصر على السمع في قوله تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ} (هود: 24)، وقوله تعالى: {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} (الكهف:26)، وقوله تعالى: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) (السجدة: 12)، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا} (الأعراف: 179)؟!

ثم ماذا يقولون في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور لأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما-:” هذان السمع والبصر“؛ إذ جعل صفة السمع للفاروق عمر، وجعل صفة البصر للصديق أبي بكر، مع إجماعهم على أن للصديقيَّة مقامًا، لا يعلوه مقام سوى مقام النبوة. ولهذا جعل الله جل وعلا مرتبة الصديقين بعد مرتبة النبيِّين عليهم الصلاة والسلام، فقال سبحانه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (النساء: 69)؟!

فثبت بذلك أن ما قيل من حكمة، أو من سرٍّ في تقديم السمع على البصر، لا يجدي نفعًا، ولا يفسر أسلوبًا، وبخاصَّة إذا علمنا أن السمع والبصر هما الأصل- من بين الحواس- في العلم بالمعلومات، التي يمتاز بها الإنسان عن البهائم؛ ولهذا يقرن الله تعالى بهما الفؤادَ في كثير من المواضع، وإن كان من سرٍّ في تقديم السمع على البصر في أغلب الآيات؛ فإنما يرجع- في الحقيقة- إلى أن حركة اللسان بالكلام أعظمُ حركات الجوارح، وأشدُّها تأثيرًا في الخير والشر، والصلاح والفساد .. بل عامَّة ما يترتب في الوجود من الأفعال؛ إنما ينشأ بعد حركة اللسان، فكان تقديم الصفة المتعلقة به أهم وأولى.

وبهذا يُعلََم تقديم السمع على البصر، ثم تقديمهما على الفؤاد في قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:36).

وكثيرًا ما يكون السياق مقتضيًا تقديم صفة السميع على صفة البصير؛ بحيث يكون ذكرها بين الصفتين متضمِّنًا للتهديد والوعيد؛ كما جرت عادة القرآن بتهديد المخاطبين, وتحذيرهم، بما يذكره من صفات الله جل وعلا، التي تقتضي الحذر والاستقامة؛ كقوله

تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا * مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (النساء:133 - 134). فقدَّم صفة السميع على صفة البصير.

ومثل ذلك تقديم صفة السميع على صفة العليم؛ حيث ورد ت في القرآن؛ كقوله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (المائدة: 76)؛ وذلك لتعلُّق السمع بما قرُب؛ كالأصوات، وهمس الحركات. فإن من سمع حِسَّك، وخَفْيَ صوتك، أقربُ إليك في العادة ممن يقال لك: إنه يعلم، أو يبصر؛ وإن كان علم الله تعالى وبصره متعلقين بما ظهر وبطن، وواقعين على ما قرُب وبعُد؛ ولكن ذكر (السميع) أوقع في باب التهديد والتخويف، من ذكر (العليم والبصير) ولهذا كان أولى منهما بالتقديم.

فلما كان قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} خبرًا يتضمَّن التخويف والتهديد والوعيد، قدِّم السمع على البصر؛ كما قِّم على العلم، فكان تقديمه أهمّ، والحاجة إلى العلم به أمسّ .. فتأمل!

الأستاذ محمد إسماعيل عتوك*

http://www.tafsir.net/index.php?subaction=showfull&id=1113593231&archive=&start_from=&ucat=1&maqal=full

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير