? وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ?
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[30 - 05 - 2005, 10:09 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
?أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا?
الحمد لله الذي انزل كتابه المجيد على احسن اسلوب، وبهر ببيان اساليبه وبلاغة تراكيبه القلوب. أنزله آيات بيّنات وفصّله سوراً وآيات، ورتّبه بحكمته البالغة احسن ترتيب، ونظمه احسن نظام بأفصح لفظ وأبلغ تركيب.
والصلاة والسلام على امام البلاغاء وسيد الفصحاء، أفصح من نطق بالضاد، سيدنا محمد، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم باحسان.
ثم اما بعد:
فإن المتأمل في القرآن الكريم يجد انه كتاب جمع ابعاد الزمان، والتقط مفردات الاحداث، ورموز الوقائع، وقوافل كافة المعاني، ليحضرها على متن لوحة تعبيرية موجزة، كان أصدق أسمائها «آية»، هي أعمق من البحر، وأوسع من السماء .. هي كذلك، لأنها «آية»! آية تحكي عظمة المبدع، ووحدانية الصانع لتلك الهيكلية المحكَمة، ولذلك النظام الذي يحمل في طيّاته اجمل صور الابداع والاتقان. إنه الكتاب الذي تحدّى الله به الجنّ والانس على أن يأتوا بمثله، فعجزوا! وهذا العجز لم يأتِ من فراغ!
ذلك أن الارتباط والتناسق بين مكوّنات القرآن الكريم، هو مطلق في ماهيّته، لأنه كلام فوق الحدوث، وفوق قوانين النطق المادي الذي يتقيّد بالزمان والمكان. فعظمة الكلمات والحروف القرآنية تتجلّى في تصويرها المطلق للاشياء بشكل يطابق تمامًا حقيقة وجود هذه الاشياء، حتى لتكون الصورة المنبثقة عن هذه الحقيقة عبارة عن كلمات تنبض هي وحروفها بروح هذه الاشياء.
ولذلك نجد ان الكلمات القرآنية، بمجموع حروفها، ومواقع هذه الكلمات في العبارات القرآنية، ومن ثم مواقع العبارات في الآيات والسور القرآنية، كلها ترتبط بصورة مطلقة في المسائل التي تصفها وتعبّر عنها، ومن ثم تصوّر المسائل بشكل مطابق تمامًا للواقع الذي تبحث فيه هذه المسائل.
وهذا ما يدفعنا في الحقيقة الى التدبّر في أسرار الكلمات القرآنية التي تعطي لكل جيل ما يناسب معرفته وعلمه، حول ماهية الاشياء التي تصفها، دون ان يناقض ذلك المفاهيم التي تعطيها هذه الكلمات لغيره من الاجيال.
وهذا ما سأتعرّض له في هذه المقالة البسيطة، لنتدبّر كيفية تداخل الكلمات القرآنية في معادلات التصوير المطلق للعبارات القرآنية، ولندرك كيف ان موقع الكلمة في العبارة القرآنية، يرتبط ارتباطًا مطلقًا بالمعاني التي تحملها العبارة التي تنتمي إليها. ولبيان مرجعية القرآن لهذه الطلاقة الفريدة، نحتاج أن نقف عند بعض المفاهيم والمصطلحات، التي من شأنها ان تساعدنا على ادراك هذا التصوير المطلق والمقصود.
فالنصّ القرآني الكريم يجيب عن أسئلة الوجود والكون والحياة والمصير. وهو يجيب عن ذلك بشكل فنّي لا يمكن فهمه الا بفهم لغته اولاً. لأن اللغة التي نزل بها القرآن ليست مجرّد مفردات وتراكيب، وإنما تحمل في مضمونها رؤيا مطلقة للانسان وللحياة وللكون.
فلا عجب اذن ان دهشة العرب الاولى ازاء القرآن كانت لغوية محضة، حيث فتنهم بلغته، جمالاً وفنًا، فكانت هي المفتاح المباشر الذي فتح لهم الابواب لدخول عالَم النصّ القرآني والايمان بدين الاسلام.
ولذلك يمكن القول إن المسلمين الاوائل الذين شكّلوا النواة الصلبة الاولى في الدعوة الى الاسلام قد آمنوا بالقرآن لكونه نصًّا بيانيًا امتلكهم. فَهُمْ لم يؤمنوا به لانه كشف لهم عن اسرار الكون والانسان، أو لأنه قدّم لهم نظامًا جديدًا للحياة، بل لانهم رأوا فيه لغة لا عهد لهم بما يشبهها.
فبلغة القرآن تغيّر كيانهم النفسي، وبلغته تغيّرت حياتهم، حتى صار هو نفسه وجودهم. فأجمعوا على ان القرآن كتاب فريد لم يروا مثله من قبل، وأقرّوا بأنه لا يمكن مضاهاته ومحاكاته، واتفقوا على انه نقض لعادة الكتابة شعرًا، وسجعًا، وخطابة، ورسالة، وان نظمه عجيب وغريب. ولهذا لا يمكن الفصل، على أي مستوى، بين القرآن واللغة التي نزل بها.
¥