وقد تكلمنا من قبل عن مفهوم الادعاء .. وانه يقول به كل البيانيين على المذهبين معا: مذهب من يرى الاستعارة مجازا لغويا .. ومذهب من يراها مجازا عقليا .. وقد لخص الامام يحيى العلوي فى كتابه "الطراز"
تلخيصا جامعا وجهة نظر الفريقين فقال:"قولكم فى حد المجاز انه "ما افاد معنى غير مصطلح عليه فى اصل تلك المواضعة "يؤدى الى خروج الاستعارة عن حد المجاز وبيانه انا اذا قلنا على جهة الاستعارة رأيت اسدا فالتعظيم والمبالغة الحاصلان من هذه اللفظة المستعارة ليس لانا سميناه باسم الاسد ولهذا فإنه لو جعلناه علما لم يحصل التعظيم والمبالغة بذلك بل انما حصلا لأنا قدرنا فى ذلك الشخص صيرورته فى نفسه على حقيقة الاسد لبلوغه فى الشجاعة التي هي خاصة الاسد الغاية القصوى ومتى قدرنا حصوله على صفة الاسدية وحقيقتها اطلقنا عليه الاسم وبهذا التقدير يكون اسم الاسد مستعملا فى نفس موضوعه الاصلي ويبطل المجاز ...
والجواب .... انه يكفي فى حصول المبالغة والتعظيم ان يُقدر انه حصل له من القوة ما كان للاسد وعلى هذا يكون استعمال لفظ الاسد فى معنى يخالف موضوعه الاصلي وبهذا التقرير يحسن وجه الاستعارة وتتضح حثيقة المجاز ..... "
ويستفاد من هذا النص .. المقوم الآخر للاستعارة وهو المبالغة .... فبدون المبالغة ... تصبح الاستعارة "باردة"لا يحتاج اليها ... لأن فى الحقيقة غنى عنها حينئذ ... وما ادخلت الاستعارة فى سلك البلاغة الا لذلك القدر الزائد من المعنى الذي تضيفه الى الحقيقة ...
قال الدسوقي فى حاشيته على السعد:
(قوله ولما كانت الاستعارة ابلغ من الحقيقة) أي انه يلزم لو لم تراع المبالغة المقتضية لادخال المشبه فى جنس المشبه به الذي بني عليه كون الاستعارة مجازا عقليا ان لا تكون الاستعارة ابلغ من الحقيقة بل تكون مساوية له مع انهم جازمون بأ ن الاستعارة ابلغ من الحقيقة (قوله اذ لا مبالغة فى اطلاق الاسم المجرد) اي عن الادعاء وقوله عاريا عن معناه اي الحقيقي ولو بحسب الادعاء والمعنى ان الاسم إذا نقل الى معنى ولم يصحبه اعتبار معناه الاصلي فى ذلك المعنى المنقول اليه لم يكن فى اطلاق ذلك الاسم على ذلك المعنى المنقول اليه مبالغة فى جعله كصاحب ذلك الاسم كما فى الحقيقة المشتركة والمنقولة فإنه لما لم يصحبها معناها الاصلي انتفت المبالغة فى الحاق المعنى المنقول اليه بالغير .. (شروح التلخيص المجلد 4 ص61) ..
الآن ... لا بد للبحث ان ينتقل الى الصعيد العقدي والفقهي .... فالقول بأن فى القرآن استعارة ... معناه ان فى القرآن ... مبالغة ..... والمبالغة زيادة وتضخيم للواقع ...
فهل يليق هذا بالقرآن ... ؟
هل يتصور ان يقدم القرآن الكريم شيئا فيه زيادة او نقصان عن حقيقته ... ؟
وتمسك المتمسكين بأن القرآن قد نزل على المعهود من كلام العرب واساليبها لا يعد تبريرا لأن يكون فى القرآن باطل .. كما استدل على ذلك الشيخ الشنقيطي رحمه الله ..
وعلى فرض ان المجاز موجود ومستحب .. فهذا يليق بالشعر ...... ولا يليق بالقرآن .. لأن الشعر ينبني على مقولة "أعذب الكلام أكذبه"حيث يغتفر فيه الكذب والمبالغات والادعاءات والمحالات ... لكن القرآن ... مبني على قاعدة: {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} الطارق.14.وعلى قاعدة تنزيه كلام الله ان يشبه كلام الشعراء: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} الحاقة41.
وفى الحقيقة ... ان الانسان الممؤمن ليجد حرجا عقديا كبيرا عندما يقول ..... ان الله سبحانه "يبالغ"عندما يقول كذا وكذا ... او عندما يقول ان النبى صلى الله عليه وسلم ... "زاد على الحقيقة" عندما قال ... كيت وكيت .... ولكن لم لا يتحرجون من القول بوجود الاستعارة فى كلام الله ورسوله ... مع انهم يرون الاستعارة لا تنفصل عن المبالغة بشهادة البيانيين انفسهم؟؟ والعبرة بالمعاني لا بالالفاظ ...
فى الزوائد:
حدثنا العباس بن الفضل ثنا محمد بن عبد الله التميمي قال أخبرني الحسن بن عبيد الله قال حدثني من سمع النابغة الجعدي يقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فانشدته قولي ...
وانا لقوم ما نعود خيلنا ... إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا ...
وننكر يوم الروع ألوان خيلنا ... من الطعن حتى نحسب الجون أشقرا
وليس بمعروف لنا أن نردها ... صحاحا ولا مستنكرا أن تعقرا
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وانا لنبغي فوق ذلك مظهرا
¥