تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي رأيي أن الجملة العربية تنتج عن تبادل الرتبة بين الاسم والفعل, أو بين الأصل والفرع أو بين المبني عليه والمبني "وهاتان الجملتان التوليديتان هما الأساس لكل الجمل التحويلية (العدول) في العربية " (). وهذا هو رأي البصريين, أما الكوفيون فيرون أن الفاعل إذا تقدم على فعله ظل فاعلاً.

والذي أراه أن ما ذهب إليه البصريون هو الصواب, وبالإضافة إلى ما ذكره المبرد حول هذا الموضوع () وهو مشهور, وكذلك ابن السراج حيث يقول: فالفاعل لا يتقدم على فعله إلا على شرط الابتداء" () , ففي رأيي أن المتقدم هو المبتدأ, لأن الجملة العربية إما أن تبدأ بفعل أو مبتدأ, ولا تبدأ بالفاعل لأن رتبة الفاعل بعد الفعل, كما أن الفعل يتقدم على فاعله برتبة الطبع, وما تقدم بالطبع رتبته محفوظة. كما "أنه لا يتصور أن نحكم على كلمة بأنها فاعل قبل أن يسبقها فعل" (). وكذلك لا نحكم على كلمة بأنها مفعول إلاّ إذا سبقها فاعل. بالإضافة إلى أن الفاعل هو المطلوب من الفعل والفعل طالب له وليس العكس, والطالب يتقدم على المطلوب. كما أن الفاعل لا ينفصل عن فعله " ولا يجوز تقديم الفاعل على الفعل فإن لم يكن مظهراً بعده فهو مضمر فيه لا محالة" () , كذلك فإن الفعل يدل على معنى في الفاعل, والذي يدل على معنى في غيره رتبته محفوظة, كالفعل مع الفاعل والحروف وما تدخل عليه. أما بالنسبة للضمير الموجود في الخبر فما هو إلا الفاعل الحقيقي وليس عوضاً عن الاسم المتقدم, وإنما هو اقتصاد لغوي بدلاً من إعادة الاسم مرة ثانية, وقد وجد من العرب من يعيده كما هو فيقول: زيدٌ ضرب زيدٌ عمراً. كما قال تعالى: " القارعةُ ما القارعة " ولم يقل القارعة ما هي, بل أعاد اللفظ مرة ثانية. وسبب وجود هذا الضمير أنه يربط بين المبتدأ وخبره, وإلاّ انعدمت الصلة بينهما, حيث إن ما بعد المبتدأ بدون الضمير لا يشكل جملة الخبر, لأنها ستتكون من فعل + مفعول ولا يوجد فعل إلاّ بفاعل, ولا يوجد فاعل إلاّ بفعل, كما لا يوجد المفعول بدون الفاعل, ومن هنا فالفعل مع المفعول لا يشكلان جملة. كما أن وجود هذا, الضمير يعنى أن الفعل ليس محتاجاً للاسم المتقدم "فإنما يكون الطالبُ عاملاً في المطلوب إذا لم يستغن عنه في اللفظ وأما إذا استغنى عنه برفع ضميره أو نصبه أو بغير ذلك فلا يلزم أن يفعل فيه بل لا يصحُّ في مثل مسألتنا " (لأن) أصل العمل الطلب" () , ويظهر هذا من ملاحظة تقدم المفعول, حيث إن المفعول يتقدم ويبقى مطلوباً للفعل ولا يوجد ضمير ينوب عنه لهذا السبب, لأن موقعه ما زال شاغراً. وكذلك ماذا نقول عن المتقدم في الجمل التالية: "زيدٌ ضربه عمرو" و"يوم الجمعة صمتُه " فإذا كان رفع الفاعل والمبتدأ يثير الإشكالية, فأظن أن المفعول والظرف لا يرفعان, وهذا دلالة على أن المتقدم هو المبتدأ. أما بالنسبة لاتصال الضمير مع الفعل, فذلك لأن الفعل هو المحتاج للفاعل أو للمفعول أو للظرف وبينهما علاقة معنوية, والضمير الموجود في ضربه, رتبته محفوظة وجوباً, ففيه خروج عن الأصل حتى لا يثير اللبس بانفصاله وتأخره. وفي هذا يقول ابن مالك:

"وعُلْقَةٌ حاصِلةٌ بتابعٍ كَعُلْقةٍ بنفس الاسم الواقع

والعلقة عبارة عن الضمير العائد على الاسم السابق, وذلك أن الجملة التي بعد الاسم السابق لا بد أن يكون فيها ضميرٌ عائدٌ عليه, والأصل أن يكون هو المشتَغَلُ به عن الاسم السابق, والحاصل أنه لابدَّ من ضمير يربط الجملة الثانية بالاسم الأول, لأن الأصل في ذلك المبتدأ والخبر ودخل حكم الاشتغال عليه فلذلك لا يجوز أن تقول:"أزيداً رأيتُ عمراً ", لأنه لا يجوز: (زيدٌ رأيتُ عمراً) إلا مع ضمير عائد على الأول فذلك الضمير الرابط من حيث كان معلِّقاً للجملة الثانية بالأولى, وبه كان الاتصال والعلاقة, سمَّاه علقة من أجل ذلك وكأن العلقةَ اسم العلاقة الحاصلة بسبب الضمير, وهو الاتصال بين أول الكلام وآخره " (1) والأهم من هذا أن المبتدأ يتقدم على خبره بالمنزلة وكذلك الفعل يتقدم على فاعله بالمنزلة وكلاهما مبني عليه فإذن هما أَ صلان فنستطيع البداية بالفعل أو بالاسم ومن ثم تترتب المباني بعدهما بالأهمية وبحسب قوة العلاقة المعنوية, " ويمكن أن نطلق على كلٍ منهما بؤرة الجملة" (2).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير