تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أو أنّه مخالف لمنهجهم في بعض القواعد، وهذا اجتهاد خاطئ لمخالفته كبار الحفاظ من المتقدمين ـ وهذا مما ينبغي التنبيه إليه ـ ولا يُقال هذا مما يسع فيه الخلاف، فإنَّ اتفاق المتقدمين على قاعدة ما أو حكم على حديث ما هو حجة، كما أنَّ اتفاقهم في الحكم على الراوي حجة أيضاً، ولا يُقال أنَّ في المسألة خلاف بمخالفة المتأخرين لهم. إذ ما كان ليخفى عليهم كلهم حكم المسألة. ولا يوجد من يخالفهم في زمانهم، ثم يأتي من بعدهم ليتعقّب عليهم. فهم الأصل في هذا الفن وكل من جاء بعدهم عالة عليهم وينبغي أن يكون مُتبعاً لما سطروه في كتبهم.

فالمتقدمين من كبار الحفاظ هم أعلم الناس بسُّنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بها سنداً ومتناً وهم الذين حَفِظَ الله بهم سُّنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهم بالاتفاق أعلم من المتأخرين بعلم الحديث. وإنَّ مما استدل به مسلم على من اشترط اللقيا، وإنْ لم الصواب حليفه، قوله: (إذ كان قولاً مُحدثاً وكلاماً خلفاً لم يقله أحد من أهل العلم سلفاً) (صحيح مسلم شرح النووي: 1/ 144) ومن الأمثلة على مخالفة المتأخرين لما كان عليه المتقدمين، أنَّ معظم الماخرين كانوا على قول مسلم في عدم اشتراط اللقيا، ونورد الآن أسماء من اشترط السماع من المتقدمين: شعبة، يحيى بن سعيد القطان، ابن المديني، الإمام الشافعي، ابن معين، الإمام أحمد، البخاري، عمرو بن على الفلاّس، أبو زرعة الرازي، أبو حاتم، أبو زرعة الدمشقي، الدارقطني، البيهقي، بينما تبِع مسلم على قوله الحاكم وابن حبان رحمهم الله جميعاً.

بل قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: (فإذا كان هذا هو قول هؤلاء الأئمة الأعلام، وهم أعلم أهل زمانهم بالحديث وعِللهِ وصحيحه وسَقيمه، ومع موافقة البخاري وغيره، فكيف يصح لمسلم رحمه الله دعوى الإجماع على خلاف قولهم. بل اتفاق هؤلاء الأئمة على قولهم هذا يقتضي حكاية إجماع الحفاظ المعتمد بهم على هذا القول، وأنَّ القول بخلافهم قول لا يُعرف عن أحد نظرائهم، ولا عمن قبلهم ممن هو في درجتهم وحفظهم) [شرح عِلل الترمذي: 1/ 372]. قال أبو حاتم بعد أن ذكر مسألة اتفق عليها أهل الحديث في زمانه: (واتفاقهم على شيء يكون حجة) [التهذيب: 2/ 156].

ثمَّ أنَّ الإمام مسلم رحمه الله ساق عِدّة أسانيد في مقدمته، وذكر أنَّ اللقيا فيها غير معلوم وهي صحيحة عند أهل العلم، ومن العجيب أنَّ الإمام مسلم نفسه ذكر هذه الأحاديث في صحيحه وفيها التصريح بالتحديث وكشف هذا كل من ابن رشيد في: (السنن الأبين: ص153 - 154)، وابن حجر في: (النكت: 2/ 596) والمعلمي نقلاً من: (فوائد وقواعد في الجرح والتعديل وعلوم الحديث، جمع وترتيب أبي أسامة) ورحم الله الإمام الجهبذ مسلم كيف خفي عليه هذا.

ومن أراد الإطالة في هذه المسألة فعليه بكتاب (موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين) لخالد بن منصور عبد الله الدريس.

ومما يتعلق بهذه المسألة قول التابعي "عن رجل صَحِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم" فإنَّ بعض المتأخرين يعتبرون أنَّ هذا متصل. وممن ذهب إلى هذا الحافظ ابن حجر والشيخ مقبل الوادعي كما هو بيّن في آخر كتابه (الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين) وهذا خطأ، فسواء أخذ المرء باشتراط أو إمكانية اللقيا فإنَّ المُسند ليس بمتصل، وعنعنة التابعي عن الصحابي المبهم ليس فيه إمكانية اللقيا ولا حتى المعاصرة، قال الحافظ العراقي: (فقال ـ الصيرفي ـ وإذا قال في الحديث بعض التابعين "عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" لا يُقبل لأني لا أعلم سمِع التابعي من ذلك الرجل إذ قد يُحدّث التابعي عن رجل وعن رجلين عن الصحابي، ولا أدري هل أمكن لقاء ذلك الرجل أم لا؟ فلو علمتُ مكانه منه لجعلته كمدرك العصر. قال: وإذا قال سمعت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قُبل لأنَّ الكل عدول. انتهى كلام الصيرفي. وهو حسن متجه وكلام من أطلق قبوله على هذا التفصيل) [التقييد والإيضاح: ص74]. وردّ المعلمي على ابن حجر بأنَّ قوله في هذه المسألة لا يتمشّى مع قوله بمذهب البخاري في اشتراط اللقيا. وهذا أيضاً يُقال للشيخ مقبل الوادعي فهو أيضاً على قول البخاري في اشتراط اللقيا كما هو ظاهر في كلامه في ص19 من كتابه (الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير