تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأخطأ بعض أهل العلم حيث ظنوا أنَّ البيهقي يردّ الحديث المروي عن صحابي مجهول مطلقاً، وليس الأمر كذلك وإنّما يردّه إذا لم يُصرّح التابعي بالسماع، وهو في هذا على منهج المتقدمين ومنهم البخاري ومسلم [موقف الإمامين البخاري ومسلم ـ لخالد منصور عبد الله الدري ص328 - 331]، والإمام أحمد، فقد قال الأثرم: (قلت لأبي عبد الله: إذا قال رجل من التابعين حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُسمّه فالحديث صحيح؟ قال: نعم) [التقييد والإيضاح: ص74].

وكذلك مسألة تفرّد الصدوق أو الثقة عن حافظ مشهور له أصحاب متوافرون، بحيث لم يروه أحد غيره. أما المتقدمون فيُعدّون هذا إمّا شذوذاً أو نكارة، ويتعجبون أين ذهب أصحابه؟ أما معظم المتأخرين فيعتبرون أنَّ هذا الإمام واسع الرواية وأنَّ هذا لا يضر!! بل إنّك لا تجد هذا في معظم كتب المصطلح المشهورة. بالرغم من أنَّ الإمام مسلم قد أشار إلى هذا في مقدمة صحيحه [ص58 شرح النووي]، قال: (حكم أهل العلم والذي نعرفه من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أنْ يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئاً ليس عند أصحابه قُبلت زيادته، فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره أو لمثل هشام بن عروة وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره فيروي عنهما أو أحدهما العدد من الحديث مما لا يعرفه أحد من أصحابهما وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس. والله أعلم).

وكذلك نفس الشيء بالنسبة للراوي الضعيف الذي ينجبر ضعفه فإنّه بمثل هذا التفرّد الذي سبق ذكره يجعل الإسناد لا يصلح للإنجبار وهذه المسألة من أعظم الفوارق بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين. ومن الأمثلة التطبيقية على هذا، (تيسير علوم الحديث لعمرو عبد المنعم سليم ص164 ـ تلخيص الحبير لابن حجر 2/ 7 ـ سلسة الصحيحة للألباني رقم 1493، وفيه ذكر الشيخ لكلام العقيلي وردّه للحديث بناء على ما سبق ذكره، ثم يردّ عليه الألباني ولا يعتبر ذلك شيئاً ويُحسّن الحديث!!) ولعل أقوى مثال لبيان الفارق بين المتقدمين والمتأخرين في هذه المسألة حديث أبي هريرة مرفوعاً: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه) أعلّه البخاري والترمذي والدارقطني لتفرّد محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد وذكر حمزة الكناني ـ وهو من كبار الحفاظ المصريين وأحد رواة النسائي ـ أنَّ الحديث منكر. وذلك لأنَّ محمد بن عبد بن الحسن وإنْ كان مشهوراً من الناحية السياسية فهو ليس مشهوراً بالرواية، ثم هو قد تفرّد عن أبي الزناد وهو من كبار الحفاظ وله أصحاب ولم يروي هذا الحديث أحد منهم، وبالرغم من هذا تجد أنَّ النووي والزرقاني جودوه وحسّنه الحازمي وصححه أو حسّنه كل من أحمد شاكر والألباني وعبد القادر وشعيب الأرناؤوط. وليس هذا دعوة إلى اعتزال كتب المتأخرين أو الرمي بها عرض الحائط أو عدم الأخذ بتصحيحهم وتضعيفهم للحديث مطلقاً ـ كما ذهب إلى ذلك ابن الصلاح، وهذا خطأ كما ذكر غير واحد من أهل العلم ـ أو عدم الاستفادة بما فيها من علوم جمّة، حاشا وكلا. وإنّما التنبيه على المسائل التي خالفوا فيها المتقدمين، وأنّه لا ينبغي متابعتهم على ذلك وإلاّ فهناك من المتأخرين على منهج المتقدمين في علم الحديث، وهاهي هذه الورقات تحتوي على كلام بعض المتأخرين من علماء الحديث رحمهم الله وأجزل لهم المثوبة.

? أما استنادك إلى مذهب الشيخ العلامة أحمد شاكر رحمه الله ومن ذكرت أنَّ من سكت عنه البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل أنّه ثقة، فهذا لا سلف لهم فيه ولا حتى من المتساهلين كالحافظ السيوطي، وهو اجتهاد خاطئ لا ينبغي الاعتماد عليه. [تيسير علوم الحديث ص164 ـ لعمرو عبد المنعم].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير