ونحو ذلك، فكذلك من قال: لا إله إلا الله، وترك الصلاة، فلا ينفق قوله هذا، وأي جواب لكم في حق الجاحد، هو خروج عن ظاهر أثر ابن عمر، وهو أيضًا جواب لمن كفَّر تارك الصلاة على أثر ابن عمر، ثم يقال أيضًا: هل أثر ابن عمر ظاهر الدلالة على قولكم، كما أن الأدلة المرفوعة صريحة على قول مخالفيكم، وكما أن الإجماع صريحة على خلاف قولكم؟
ولا أظن أن أحدًا يقول: إن اثر ابن عمر ظاهر أو صريح الدلالة على قولنا، فإذا كان ذلك كذلك، فالدلالة الظاهرة فضلاً عن الصريحة مقدمة على الدلالة الخفية المحتملة، والله أعلم.
@ وإن اْعتُرِض على ذلك أيضًا: بجواب حذيفة على صلة بن زفر، وأن ذلك يدل على أن حذيفة لا يرى تكفير تارك الصلاة؛ فسيأتي الجواب عليه إن شاء الله تعالى في الكلام على أدلة من لم يكفر تارك الصلاة، وفي الكلام على مذاهب الصحابة، وسيظهر هنالك إن شاء الله تعالى ضعف هذا القول، وأن هذا الأثر أشبه بباب العذر بالجهل، لا بهذا الباب، والله أعلم.
@ وإن اعْتُرِض على ذلك أيضًا: بأن من روى من الصحابة الأحاديث التي استدل بها من لم يكفِّر تارك الصلاة؛ فهو قائل بعدم التكفير، خارق للإجماع.
فالجواب: أن هذا كلام غير مسلَّم به، فمتى كانت الرواية مذهبًا للراوي؟!
فأهل السنة يروون مالهم وما عليهم، ولو سلمنا على أسوأ الأحوال بهذا في الجملة، فليس له وجه هنا، لتصريح جابر وعبدالله بن شقيق العقيلي، ومن سبق ذكرهم، بإجماع الصحابة على خلاف ذلك، فكيف نترك هذا الأمر الرشيد، لمثل هذا الفهم البعيد؟!
@ وأيضًا: فقد يُستدل على نفي الإجماع في هذا الباب، بقول ابن المنذر في "الإجماع" ص (179): كتاب الساحر والساحرة، كتاب تارك الصلاة، لم أجد فيهما إجماعًا. ا& aacute;
فالجواب: أن هذا الكلام مع كونه غير صريح في موضع النزاع؛ فهو مردود بقول من ادعى الإجماع، وهم أعلى وأعلم من ابن المنذر، ومن علم؛ حجة على من لم يعلم، والله تعالى أعلم.
@ فإن قيل: إن كلام إسحاق ليس دالاً على الإجماع، لما زاده عنه ابن عبدالبر في "التمهيد" (4/ 225 - 226): "إذا أبى من قضائها، وقال: لا أصليها".ا& aacute;
وأن ذلك يدل على أن كفره للإمتناع والإباء، لا لمجرد الترك.
فالجواب على ذلك من وجوه:
1 - أن الذي نُقِلَ عن إسحاق بالسند الصحيح عند المروزي، ليس فيه هذه الزيادة؛ فلا بد من معرفة سند هذه الزيادة أولاً، ثم بعد ذلك، ننظر في فقهها، وفي حاشية "الصلاة" للمروزي أن ابن القيم والمنذري نقلا هذا النص بدون زيادة عن المروزي عن إسحاق، ونبه المحقق حفظه الله على أن ابن عبدالبر، زاد هذه الزيادة، فهذا كله يورث الريبة في نسبة هذه الزيادة لإسحاق.
2 - لو فرضنا صحة ذلك؛ فهل يلزم من قول إسحاق: "إذا أبى من قضائها، وقال: لا أصليها" أن الرجل غير مقر بوجوبها؟ أو أنه مقر بوجوبها، إلا أنه غير ملتزم بها؟ بمعنى أنه غير مسلّم بأنها لازمة له، وإن أقر بوجوبها على غيره؟! ليس في كلام إسحاق ما يدل على هذا، إنما معناه: أنه أصر على عدم القضاء، أو عدم الصلاة أصلاً، ولا يلزم أن يصحب ذلك اعتقاد عدم الوجوب، أو عدم الإلتزام بالصلاة، أو يحمل على أنه رضي بالقتل، وهذا أمر آخر.
3 - ومما يزيد ذلك وضوحًا؛ أن إسحاق نفسه أنكر على من أوّل كلام ابن المبارك في تكفير تارك الصلاة، عندما قال ابن المبارك: إن تارك الصلاة أكفر من الحمار، فأوله بعضهم بأن ذلك محمول على الرد، فقال إسحاق:
فقلنا لهم: فالراد للفرائض كلها يكفر؟ .... إلى أن قال: فهذا نقض لدعواه في الصلاة. ا& aacute; من "الصلاة" للمروزي (2/ 997 - 998)، فكيف يقال بعد ذلك: إن إسحاق ينقل الإجماع فقط على الكفر عند الإباء؟!
4 - ومما يزيد الأمر وضوحًا أيضًا: أن إسحاق مذهبه تكفير تارك الصلاة، لمجرد تركه الصلاة، وإن لم يصحب ذلك امتناع وإباء بالقلب، أو ما يقوم مقامه باللسان، أو بالفعل، والنص الثابت عنه عند المروزي، فيه: "قد صح عن رسول الله e أن تارك الصلاة كافر، وكذلك، كان رأي أهل العلم .... "الخ، فمذهبه في الحديث المرفوع واضح، ثم هذا هو يبني الإجماع على ذلك فيقول: "وكذلك كان رأي أهل العلم ..... " فهل يصح أن يقال: والإجماع عند إسحاق على خلاف فهمه للحديث المرفوع؟ فهل كان إسحاق لا يعي ما يخرج من رأسه؟ وهل كان إسحاق يحتج لنفسه بهذا النص، أم يورد على نفسه الأدلة؟
¥