5 - ومما يزيد الأمر وضوحًا أيضًا: أن هذه الزيادة التي عند ابن عبدالبر، قد ذكرها ابن عبدالبر بالتعبير نفسه عند حكاية مذهب النخعي والحكم وأيوب وابن المبارك وأحمد وإسحاق (4/ 225) في "التمهيد"، فهل فهم أحد من هذه العبارة أن مذهب هؤلاء المذكورين: هو التكفير عند الإباء والامتناع، لا مجرد الترك؟ والجواب؛ لا، فإذا كان ذلك كذلك؛ فلا وجه لتأويل كلام إسحاق، وحَمْله على التكفير بشرط وجود الإباء والامتناع والاستكبار والاستنكاف، فهذا كله كفر مجرد، وإن صلى الرجل، والعلم عند الله تعالى.
@ فإن قيل: كيف يصح إجماع الصحابة، والعلماء قد اشتهر الخلاف بينهم بعد ذلك؟
فالجواب من وجوه:
1 - قد يقال: من قال بعدم التكفير؛ لم يبلغه الإجماع، وفي النفس شيء كثير من هذا الوجه، لكثرة من خالف في ذلك، ويُسْتبعد في حقهم جميعًا، عدم العلم بذلك.
2 - وقد يُقال: لعلهم رأوه إجماعًا ظنيًا غير ملزم، بمعنى عدم العلم بالمخالف، وفيه نظر أيضًا، لأن هذا العدد الكبير من العلماء، إذا كانوا لم يعلموا خلافا لمن ذُكِرَتْ أسماؤهم من الصحابة؛ فهذا يدل على عدم وجود المخالف، فيثبت الإجماع بذلك.
3 - أن يقال: ثبت عندهم الإجماع، لكن تأولوه، كما تأولوا الأحاديث المرفوعة، على أنه كفر دون كفر؛ ولم يظهر لهم أن هذا الإجماع، إجماع على الكفر المخرج من الملة، كما قال المروزي في"الصلاة" (2/ 925): ..... ثم اختلف أهل العلم بعد ذلك، في تأويل ما روى عن النبي e، ثم عن الصحابة رضي الله عنهم في إكفار تاركها، وإيجاب القتل على من امتنع من إقامتها. ا& aacute;
وقد ذهب إلى تأويل أقوال الصحابة بهذا، شيخنا الألباني رحمه الله كما في "الصحيحة" برقم (87). وهذا التأويل مردود، لأن هناك كثيرًا من الأعمال تركها كفر دون كفر، فلماذا خُصَّت الصلاة من بين بقية الأعمال بهذا الوصف؟! وهل كان الصحابة لا يرون من الأعمال المتروكة، ما هو كفر دون كفر؛ إلا الصلاة؟!
فإن قيل: نعم، فالجواب: هذا مردود، كما هو معروف من قول ابن عباس في الحكم بغير ما أنزل الله، وغير ذلك، وإن قيل: لا، سقط هذا التأويل، كما هو ظاهر، والله أعلم.
والعمدة في الجواب هنا: على هذا الوجه، والذي يليه، وهو:
4 - وعلى كل حال، فإذا ثبت الإجماع، فمن خالف بعد ذلك؛ فهو محجوج بالإجماع السابق، ولو جعلنا الخلاف اللاحق، سببًا في زعزعة الثقة في الإجماع السابق؛ لسقط كثير من الإجماعات التي ادعاها أهل العلم، والعمل عليها حتى الآن، وفي هذا من المفسدة مالا يخفى، والله تعالى أعلم.
@ فإن قيل: إن دعوى الإجماع من عبدالله بن شقيق، مروية بطريق الآحاد، والإجماع المروى بطريق الآحاد؛ ليس بحجة عند أكثر الناس. ا& aacute; من "اللباب في الجمع بين السنة والكتاب" للمنبجي (1/ 156).
فالجواب: أن هذه دعوى أن سلمنا بها عارية عن الدليل، والصحيح عند المحققين من أهل العلم: قبول خبر الآحاد في هذا وفي غيره، وتفصيل هذا له موضع آخر عند أهل العلم، والله أعلم.
@ فخلاصة الوجه الثاني هذا: أن تكفير تارك الصلاة هو قول الصحابة، ونحن نفهم الكتاب والسنة بفهمهم، فهل نترك صريح الأدلة، مع إجماع الصحابة على هذا الفهم، لأدلة محتملة، بل وبعضها عند التحقيق حجة لمن يكفَّر تارك الصلاة؟؟
(تنبيه): سبق أن ذكر شيخ الإسلام رحمه الله عن من لم يكفِّر تارك الصلاة، الاستدلال بآيات وأحاديث فيها إطلاق الكفر على بعض الكبائر، وأنهم قاسوا ما ورد في شأن الصلاة على ذلك، وكذلك فقد ذكر هذا ابن عبدالبر بتوسع، انظر "التمهيد" (4/ 235 - 238).
ومحصّل الجواب على ذلك، بما يلي:
1 - أن الأصل في إطلاق الكفر أو الشرك، أنه ضد التوحيد، كما سبق من كلام الحافظ وغيره، إلا أن الأدلة التي استدل بها الفريق الآخر، قد صُرفت عن ظاهرها، إما بأدلة نقلية أخرى، وإما بإجماع أهل السنة، على أن هذه كبائر، لا توجب بمجردها الخلود في النار، فهل حصل مثل هذا الإجماع في الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة، حتى يقاس هذا على ذاك؟!
¥