تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد قال تعالى فيمن يتعاطى السحر لجلب منافع الدنيا: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} إلى قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102، 103] فأخبر ـ سبحانه ـ أن من اعتاض بذلك يعلم أنه لا نصيب له في الآخرة؛ وإنما يرجو بزعمه نفعه في الدنيا. كما يرجون بما يفعلونه من السحر المتعلق بالكواكب وغيرها مثل الرياسة والمال. ثم قال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 301] فبين أن الإيمان والتقوى هو خير لهما في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُون} الآية [يونس: 62، 63]، وقال في قصة يوسف: {وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يوسف: 56، 57] فأخبر أن أجر الآخرة خير للمؤمنين المتقين مما يعطون في الدنيا من الملك والمال كما أعطى يوسف.

وقد أخبر ـ سبحانه ـ بسوء عاقبة من ترك الإيمان والتقوى في غير آية في الدنيا والآخرة؛ ولهذا قال تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69] والمفلح الذي ينال المطلوب وينجو من المرهوب. فالساحر لا يحصل له ذلك، وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من اقتبس شعبة من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر).

و [السحر] محرم بالكتاب والسنة والإجماع: وذلك أن النجوم التي من السحر نوعان: أحدهما: علمي، وهو الاستدلال بحركات النجوم على الحوادث، من جنس الاستقسام بالأزلام. الثاني: عملي، وهو الذي يقولون: إنه القوى السماوية بالقوى المنفعلة الأرضية، كطلاسم ونحوها، وهذا من أرفع أنواع السحر، وكل ما حرمه اللّه ورسوله فضرره أعظم من نفعه.

/فالثاني وإن توهم المتوهم أن فيه تقدمة للمعرفة بالحوادث، وأن ذلك ينفع، فالجهل في ذلك أضعف، ومضرة ذلك أعظم من منفعته؛

ولهذا قد علم الخاصة والعامة بالتجربة والتواتر أن الأحكام التي يحكم بها المنجمون يكون الكذب فيها أضعاف الصدق، وهم في ذلك من أنواع الكهان، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: إن منا قومًا يأتون الكهان، فقال: (إنهم ليسوا بشيء)، فقالوا: يارسول اللّه، إنهم يحدثونا أحيانا بالشيء فيكون حقا، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (تلك الكلمة من الحق يسمعها الجني يقرها في أذن وليه)، وأخبر (أن اللّه إذا قضي بالأمر ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق. وأن كل أهل السماء يخبرون أهل السماء التي تليهم، حتى ينتهي الخبر إلى السماء الدنيا، وهناك مسترقة السمع بعضهم فوق بعض، فربما سمع الكلمة قبل أن يدركه الشهاب، وربما أدركه الشهاب بعد أن يلقيها) قال صلى الله عليه وسلم: (فلو أتوا بالأمر على وجهه، ولكن يزيدون في الكلمة مائة كذبة).

وهكذا [المنجمون]، حتى إني خاطبتهم بدمشق، وحضر عندي رؤساؤهم، وبينت فساد صناعتهم بالأدلة العقلية التي يعترفون بصحتها. قال رئيس منهم: والله إنا نكذب مائة كذبة، حتى نصدق في كلمة،/ وذلك أن مبني علمهم على أن الحركات العلوية هي السبب في الحوادث، والعلم بالسبب يوجب العلم بالمسبب، وهذا إنما يكون إذا علم السبب التام الذي لا يتخلف عنه حكمه، وهؤلاء أكثر ما يعلمون ـ إن علموا ـ جزءًا يسيرا من جملة الأسباب الكثيرة، ولا يعلمون بقية الأسباب، ولا الشروط، ولا الموانع مثل من يعلم أن الشمس في الصيف تعلو الرأس حتى يشتد الحر، فيريد أن يعلم من هذا ـ مثلا ـ أنه حينئذ أن العنب الذي في الأرض الفلانية يصير زبيبا، على أن هناك عنبًا، وأنه ينضج، وينشره صاحبه في الشمس وقت الحر فيتزبب. فهذا وإن كان يقع كثيرا، لكن أخذ هذا من مجرد حرارة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير