(ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه فإنه نفسه قد قال في كتاب (المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم): (عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه). (2) قلت: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيرا (3) ضعفه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم.
وقال ابن حبان: (كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك
(1) من كلام العلامة الشيخ محب الدين الخطيب في مقدمته للقاعدة الجليلة.
(2) نقل هذا الكلام عن الحاكم وابن حبان أيضا الحافظ ابن عبد الهادي في (الصارم المنكي - ص 29) والحافظ ابن حجر في (التهذيب).
(3) هذا نص من شيخ الإسلام على أن كلمة (يغلط كثيرا) صيغة جرح لا تعديل ولا يخفى أنه لا فرق بينها وبين كلمة (يخطئ كثيرا) التي وصف الحافظ بها عطية العوفي كما سبق.
المرجع: التوسل
الجزء والصفحة: / 107
من روايته من رفع المراسيل) وإسناد الموقوف فاستحق الترك).
وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث وقالوا: إن الحاكم يصحح أحاديث موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث. ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم).
قلت: وقد أورد الحاكم نفسه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في كتابه (الضعفاء) كما سماه العلامة ابن عبد الهادي وقال في آخره:
(فهؤلاء الذين قدمت ذكرتهم قد ظهر عندي جرحهم لأن الجرح لا يثبت إلا ببينة فهم الذين أبين جرحهم لمن طالبني به فإن الجرح لا أستحله تقليدا والذي أختاره لطالب هذا الشأن أن لا يكتب حديث واحد من هؤلاء الذين سميتهم فالرواي لحديثهم داخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (من حديث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) (1).
قلت: فمن تأمل في كلام الحاكم هذا والذي قبله يتبين له بوضوح أن حديث عبد الرحمن بن زيد هذا موضع عند الحاكم نفسه وأن من يرويه بعد العلم بحاله فهو أحد الكاذبين.
وقد اتفق عند التحقيق كلام الحفاظ ابن تيمية والذهبي والعسقلاني على بطلان هذا الحديث وتبعهم على ذلك غير واحد من المحققين
(1) أخرجه مسلم (1/ 7) وابن حبان في صحيحه (1/ 27) من حديث سمرة ابن جندب ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة وقال: (هو حديث مشهور).
المرجع: التوسل
الجزء والصفحة: / 108
كالحافظ ابن عبد الهادي كما سيأتي فلا يجوز لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصحح الحديث بعد اتفاق هؤلاء على وضعه تقليدا للحاكم في أحد قوليه مع اختياره في قوله الآخر لطالب العلم أن لا يكتب حديث عبد الرحمن هذا وأنه إن فعل كان أحد الكاذبين كما سبق.
(تنبيه): إذا عرفت هذا فقول بعض المشايخ: (إن حكم الشيخ ناصر على الحديث بأنه (كذب وموضوع) باطل لأن مستنده قول الذهبي إنه موضوع) باطل حقا لأن الذهبي قد وافقه من ذكرنا من الحفاظ الأعلام ثم قالوا: (ومستند الذهبي ما في إسناد الحاكم من رجل قيل فيه إنه متهم). قلت: هذا باطل أيضا لأن الرجل المشار إليه وهو عبد الله بن مسلم الفهري جهله الذهبي ولم يتهمه كما تقدم نقله عنه وما أظن هذا يخفى عليهم ولكنهم تجاهلوه لغرض في أنفسهم وهو أن يتسنى لهم أن يقولوا عقب ذلك:
(لكن للحديث إسناد آخر عند الطبراني ليس فيه هذا المتهم وغاية ما فيه أن فيه من هو غير معروف) قلت: بل فيه ثلاثة لا يعرفون وإذا كانوا لا يعلمون ذلك فلماذا عدلوا عن تقليد الهيثمي في قوله: (وفيه من لم أعرفهم) كما سبق وهم هلكى وراء التقليد إلى قولهم: (فيه من هو غير معروف)؟
السبب في ذلك أن قول الهيثمي نص على أن (من هو غير معروف) جماعة وأما قولهم فليس نصا على ذلك بل هذا يقال إذا كان في السند شخص لا يعرف أو أكثر فهو الحقيقة من تلبيساتهم على القراء نعوذ بالله من الخذلان. ثم قالوا عطفا على
المرجع: التوسل
الجزء والصفحة: / 109
¥