قلت وكأنه يصرح بأوضح أمثلته فيكون ما فوقه أهون بلاشك. وسيأتي مزيد تفصيل من كلام السخاوي
وقال السخاوي:
(لكن إذا صح) يعني ثبت (لنا) أهل الحديث خصوصاً الشافعية تبعا لنص إمامهم (مخرجه) أي المرسل (بمسند) يجيء من وجه آخر صحيح أو حسن، أو ضعيف يعتضد به (أو بمرسل) آخر (يخرجه) أي يرسله (من ليس يروي عن رجال) أي شيوخ راوي المرسل (الأول) حتى يغلب على الظن عدم اتحادهما (فقبله)
قال غيره: وربما يكون المسند حسنا فيرتقي عن هذه المرتبة، ولكن هذا الإيراد إنما يأتي إذا كان المسند بمفرده صالحاً للحجة، أما إذا كان مما يفتقر إلى اعتضاد فلا، إذ كل منهما اعتضد بالآخر وصار به حجة.
ولذا قيده الإمام الفخر الرازي في المحصول بقوله هذا في مسند لم تقم به الحجة إذا انفرد أفاده شيخنا، وحينئذ يكون اعتضاده بهذا المسند كاعتضاده بمرسل آخر لاشتراكهما في عدم الصلاحية للحجة،
ويجيء القول بعدم الفائدة في ذلك لأنه انضمام غير مقبول إلى مثله، فهو بمثابة شهادة غير العدل إذا انضمت إلى مثلها.
ولكن قد أجيب بأن القوة إنما حصلت من هيئة الاجتماع إذ بانضمام أحدهما إلى الآخر قوي الظن، بأن له أصلاً كما تقدم في تقرير الحسن لغيره.
إن الضعيف الذي ضعفه من جهة قلة حفظ راويه، وكثرة غلطه لا من جهة اتهامه بالكذب إذا روى مثله بسند آخر نظيره في الرواية ارتقى إلى درجة الحسن، لأنه يزول عنه حينئذ ما يخاف من سوء حفظ الراوي، ويعتضد كل منهما بالآخر، ويشهد لذلك إفراد المتواتر.
قال الخطيب: ولعل المرسل أيضاً مسند عند الذين رووه مرسلاً، أو عند بعضهم إلا أنهم أرسلوه لغرض، أو نسيان، والناسي لا يقضي له على الذكر
ولخص كل ما سبق العراقي في ألفيته ذلك بقوله عن المرسل:
مَرفُوعُ تَابِعٌ عَلى المَشْهُور * مُرسَلٌ أو قيدْه بالكَبير
أو سَقَطَ راوٍ مَنهُ ذُو أقوالٍ * وَالأَوَلُ الأكْثَرُ في اسْتِعْمَالِ
واحتج مَالِكُ كَذَا النُعْمَانُ * وَتَابَعُوهُمَا بِهِ وَدَانُوا
وَرَدَّهُ جَماهِيرُ النُّقَادِ * لِلجَهْلِ بالسَّاقِطِ في الإِسْنَادِ
وصَاحِبُ التَمهيدِ عَنْهمُ نَقَله * ومسلمٌ صدَرَ الكِتَاب أصَّلَهْ
لَكِنْ إذَا صَحَّ لَنَا مَخرِجُهُ * بِمُسندٍ أو مُرسَلٍ يُخرجِه
مَنْ لَيسَ يَرْوي عَن رِجَالِ الأول * نقبله قلت الشيخ لم يفصل
والشافعيُّ بالكِبَار قَيَّدَ * بمن رَوى عَن الثِقَاتِ أبداً
وَمَن إذا شَارَكَ أهلَ الحِفْظِ * وَافَقَهُم إلا بِنَقْصِ لَفْظِ
فَإنْ يَقُل فالمسنِد المُعْتَمَدُ * فَقُلْ دَلِيلاَنِ بِهِ يَعْتَضِد
وليعلم الإخوة أننا هنا نطرح كلاما ونناقشه لنستفيد جميعا لا حبا للاعتراض وإظهار العضلات والله الموفق.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـ[أبو تقي]ــــــــ[17 - 10 - 03, 03:48 م]ـ
تصحيح
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[17 - 10 - 03, 03:49 م]ـ
وأما ما زعمه ابن جرير من إجماعٍ على قبول المرسل قبل الشافعي، فباطلٌ أنكر ذلك عليه العلماء كثيراً. وابن جرير لا يعتمد عليه في الحديث. فهذا ابن عباس ? نفسه –كما في صحيح مسلم (1\ 13) – ينقل عن الصحابة تركهم لمراسيل التابعين. وذلك بقوله: «إنا كنا نحدث عن رسول الله ? إذ لم يكن يُكذب عليه. فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه». فهذا ابن عباس ? لم يقبل مراسيل بشير بن كعب وهو من ثقات التابعين الجلة الذين لم يتكلم فيهم أحد، واحتج به البخاري في صحيحه. فكيف بغيره؟! و كثيرٌ من التابعين لم يقبلوا المراسيل منهم: ابن سيرين وعروة وإبراهيم النخعي وطاووس والزهري وشعبة وسفيان وابن المبارك والليث بن سعد وعبد الرحمان بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وغيرهم ممن قَبْلَ الشافعي. بل ما حكى ذلك ابن سيرين عن جمهورهم بعد الفتنة كما في مقدمة صحيح مسلم. و أقوال هؤلاء التابعين –في عدم قبول المرسل– كثيرةٌ، لولا الإطالة لذكرت بعضها. وقد نقل الشافعي عن الجمهور أنهم لا يقبلون الحديث إلا عن ثقة يعرف ما يروي ويحفظ. وقال: «وما رأيت أحداً من أهل الحديث يخالف هذا المذهب».
قال أبو عبد الله الحاكم في "المدخل إلى الإكليل": «والمراسيل واهية عند جماعة أهل الحديث من فقهاء الحجاز، غير محتجٌّ بها. وهو قول: سعيد بن المسيب ومحمد بن مسلم الزهري ومالك بن أنس الأصبحي وعبد الرحمن الأوزاعي ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل، ومن بعدهم من فقهاء المدينة».
وليس كل من روى حديثاً مرسلاً يعني أنه يحتج بالمراسيل. وشتان ما بين هذا وذاك. وهذا يلتبس على كثير من العلماء.
والزهري أنكر على من روى المراسيل. ولمّا صار ابن أبي فروة يرسل الحديث قال له: «قاتلك الله يا ابن أبي فروة. ما أجرأك على الله؟ ألا تُسْنِدُ حديثك؟ تحدّثنا بأحاديث ليست لها خطم ولا أزمة (يعني الأسانيد)؟». والزهري ممن كان يرسل الحديث. ولا تناقض بينهما لمن تأمَّل.
قال ابن أبي حاتم (ص6): حدثني أبي قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى الصدفي يقول: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: «نقول الأصل قرآن أو سنة. فإن لم يكن فقياس عليهما. وإذا اتصل الحديث عن رسول الله ? وصح الإسناد به، فهو سُنة. وليس المنقطع بشيء، ما عدا منقطع سعيد بن المسيب». قال ابن أبي حاتم: «يعني ما عدا منقطع سعيد بن المسيب أن يُعتبر به». ويشهد لذلك ما نقله البيهقي من قول الشافعي: «نَقبَلُ مَرَاسِيلَ كبار التابعين، إذا انضمَّ إليها ما يؤكِّدُها. فإن لم ينضمَّ، لم نقبلها، سواءٌ كان مُرْسَلَ ابن المسيِّب أو غيرِه».
¥