ثُمَّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ المَرْزُوقِيُّ: (إنَّهُمْ كَانُوا يُحَاوِلُونَ شَرَفَ المَعْنَى وَصِحَّتَهُ، وَجَزَالَةَ اللَّفْظِ وَاسْتِقَامَتَهُ، وَالإصَابَةَ فِي الوَصْفِ - وَمِنِ اجْتِمَاعِ هَذِهِ الأَسْبَابِ الثَّلاثَةِ كَثُرَتْ سَوَائِرُ الأَمْثَالِ، وَشَوَارِدُ الأَبْيَاتِ - وَالمُقَارَبَةَ فِي التَّشْبِيهِ، وَالْتِحَامَ أَجْزَاءِ النَّظْمِ وَالْتِئَامَهَا عَلَى تَخَيُّرٍ مِنْ لَذِيذِ الوَزْنِ، وَمُنَاسَبَةَ المُسْتَعَارِ مِنَ المُسْتَعَارِ لَهُ، وَمُشَاكَلَةَ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى، وَشِدَّةَ اقْتِضَائِهِمَا لِلْقَافِيَةِ حَتَّى لا مُنَافَرَةَ بَيْنَهُمَا! فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ هِيَ عَمُودُ الشِّعْرِ وَلِكُلِّ بَابٍ مِنْهَا مِعْيَارٌ.
فَعِيَارُ المَعْنَى أَنْ يُعْرَضَ عَلَى العَقْلِ الصَّحِيحِ وَالفَهْمِ الثَّاقِبِ فَإذَا انْعَطَفَ عَلَيْهِ جَنْبَتَا القَبُولِ وَالاِصْطِفَاءِ مُسْتَأْنِسًا بِقَرَائِنِهِ خَرَجَ وَافِيًا، وَإلاَّ انْتَقَصَ بِمِقَدَارِ شَوْبِهِ وَوَحْشِيَّتِهِ.
وَعِيَارُ اللَّفْظِ الطَّبْعُ وَالرِّوَايَةُ وَالاِسْتِعْمَالُ، فَمَا سَلِمَ مِمَّا يُهَجِّنُهُ عِنْدَ العَرْضِ عَلَيْهَا فَهُوَ المُخْتَارُ المُسْتَقِيمُ، وَهَذَا فِي مُفْرَدَاتِهِ وَجُمْلَتِهِ مُرَاعًى لِأَنَّ اللَّفْظَةَ تُسْتَكْرَمُ بِانْفِرَادِهَا، فَإذَا ضَامَّهَا مَا لا يُوَافِقُهَا عَادَتِ الجُمْلَةُ هَجِينًا.
وَعِيَارُ الإصَابَةِ فِي الوَصْفِ الذَّكَاءُ وَحُسْنُ التَّمْيِيزِ، فَمَا وَجَدَاهُ صَادِقًا فِي العُلُوقِ، مُمَازِجًا فِي اللُّصُوقِ، يَتَعَسَّرُ الخُرُوجُ عَنْهُ وَالتَّبَرُّؤُ مِنْهُ فَذَاكَ سِيمَا الإصَابَةِ فِيهِ.
وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي زُهَيْرٍ: "كَانَ لا يَمْدَحُ الرَّجُلَ إلاَّ بِمَا يَكُونُ لِلرِّجَالِ"، فَتَأَمَّلْ هَذَا الكَلامَ فَإنَّ تَفْسِيرَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَعِيَارُ المُقَارَبَةِ فِي التَّشْبِيهِ الفِطْنَةُ وَحُسْنُ التَّقْدِيرِ، فَأَصْدَقُهُ مَا لا يَنْتَقِضُ عِنْدَ العَكْسِ، وَأَحْسَنُهُ مَا أُوْقِعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الصِّفَاتِ أَكْثَرُ مِنِ انْفِرَادِهِمَا لِيَبِينَ وَجْهُ التَّشْبِيهِ بِلا كُلْفَةٍ، إلاَّ أَنْ يَكُونَ المَطْلُوبُ مِنَ التَّشْبِيهِ أَشْهَرَ صِفَاتِ المُشَبَّهِ بِهِ وَأَمْلَكَهَا لَهُ، لأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَدُلُّ عَلَى نَفْسِهِ وَيَحْمِيهِ مِنَ الغُمُوضِ وَالاِلْتِبَاسِ)
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[07 - 04 - 06, 04:00 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أحسن الله إليك وبارك فيك ونفع بك ... فنعم الصاحب المفيد أنت ...
ـ[بن طاهر]ــــــــ[07 - 04 - 06, 04:20 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أحسن الله إليك وبارك فيك ونفع بك ... فنعم الصاحب المفيد أنت ...
وإيَّاكُمْ، وأَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكُمْ!
...
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لقد نسيت أمر هذا السؤال فالمعذرة.
تغليط النحويين أمر يشق ... رعاك الله ... ولذا قيل: أضعف من حجة نحوي ... (ابتسامة مودة) وما بي قدرة على ردّ قول طالب للعلم متمكن ... والأمر محتمل ... ولكني مطمئن لما ذكرتُ لك لأن المرزوقي يحكي قولهم في حد الشعر ... وكذا ضبطه المحققان عبد السلام هارون وأحمد أمين - رحمهما الله - والله أعلم.
وأنا اشتغلتُ بالنَّصِّ الجديد فكدتُ لا أرى جَوابَكَ - حفظك الله - وقد ارْتَحْتُ الآنَ والحمد لله! وعذرًا على كَسْرِ دَالِ (شِدَّة)، والظاهرُ أنَّ كَسْرَ الشِّين طَغَى عَلَيَّ فكسرتُ الدَّالَ ... والحمد لله إذْ لمْ تَنْتَشِرِ الأضرارُ المادِّيَّةُ إلى الكلماتِ المجاورة (ابتسامة)
من فضلكم أصلحوا لي مثلَ هذه الأخطاءِ فإنِّي أُراجِعُ ما أكتُبُ مرَّاتٍ عديدةٍ ولا أنْتَبِهُ أحيانًا لمثلِها، وأخافُ أنْ تصيرَ هذه الأخطاءُ سليقةً فِيَ!
جزاكم الله خيرًا
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[08 - 04 - 06, 02:02 ص]ـ
وفقك الله.
كل من سار على الدرب وصل ... إن شاء الله.
ثم قال المرزوقي: (وقد قيل اقسام الشعر ثلاثة مثل سائر و تشبيه نادر واستعارة قريبة
وعيار التحام أجزاء النظم والتئامه على تخير من لذيذ الوزن الطبع واللسان فمالم يتعثر الطبع بابنيته وعقوده ولم يتحبس اللسان في فصوله ووصوله بل استمرا فيه واستسهلاه بلا ملال ولا كلال فذك يوشك ان يكون القصيدة منه كالبيت والبيت كالكلمة تسالما لاجزائه وتقارنا والا يكون كما قيل فيه
وشعر كبعر الكبش فرق بينه لسان دعي في القريض دخيل
وكما قال خلف
وبعض قريض الشعر اولاد علة يكد لسان الناطق المتحفظ
وكما قال رؤبة لابنه عقبة وقد عرض عليه شيئا مما قاله فقال
قد قلت لو كان له قران
وانما قلنا على تخير من لذيذ الوزن لان لذيذه يطرب الطبع لايقاعه ويمازجه بصفائه كما يطرب الفهم لصواب تركيبه واعتدال نظومه ولذلك قال حسان
تغن في كل شعر انت قائله ان الغناء لهذا الشعر مضمار
وعيار الاستعارة الذهن والفطنة وملاك الامر تقريب التشبيه في الاصل حتى يتناسب المشبه والمشبه به ثم يكتفى فيه بالاسم المستعار لانه المنقول عما كان له في الوضع الى المستعار له.
وعيار مشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية طول الدربة ودوام المدارسة فاذا حكما بحسن التباس بعضها ببعض لا جفاء في خلالها ولا نبو و لا زيادة فيها ولا قصور وكان اللفظ مقسوما على رتب المعاني قد جعل الاخص للاخص والاخس للاخس فهو البرئ من العيب واما القافية فيجب ان تكون كالموعود به المنتظر يتشوفها المعنى بحقه واللفظ بقسطه والا كانت قلقة في مقرها مجتلبة لمستغن عنها).
¥