تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إعراب (سبعين) من قوله، تعالى: (واخْتَارَ مُوْسى قَوْمَهُ سَبْعِيْنَ رَجُلاً).

ـ[خالد الشبل]ــــــــ[09 - 03 - 06, 08:59 م]ـ

الفعلُ الذي يتعدى إلى مفعولَين ثلاثةُ أقسام:

الأول: أن يكون الأصل فيه أن يتعدى إلى واحد، فيُنقل بالهمزة، أو التضعيف، فيتعدى إلى اثنين.

الثاني: أن يكون الأصل فيه أن يتعدى إلى واحد بنفسه، وإلى آخر بحرف الجر، ثُمّ يُسقط حرف الجر فيظهر عمل الفعل (1).

الثالث: أن يتعدى إلى اثنين بنفسه.

مثال الثاني: سمّيتُ ولدي زيداً. الأصل: سمّيت ولدي بزيدٍ.

وتقول: اخترت الرجالَ زيداً. الأصل: اخترت من الرجال زيداً. ومنه قوله، تعالى: (واخْتَارَ مُوْسى قَوْمَهُ سَبْعِيْنَ رَجُلاً). والتقدير: من قومه.

وقال بعضهم: يمكن أن يكون (سبعين) بدلاً من (قومه).

هذا ملخّص في هذه المسألة.

وأما التفصيل فأقول:

ذهب أكثر النحويين (2) إلى أن (قومه) من قوله، تعالى: (وَاخْتَارَ مُوْسَى قَوْمَهُ سَبْعِيْنَ رَجُلاً) منصوب، لأنه حُذف حرف الجر، فنفذ الفعل إلى المفعول المحذوف منه حرف الجر (3).

وأصله، والله أعلم: مِنْ قومه (4).

فقولهم: اخترت الرجالَ زيداً، أصله: من الرجال، لأن (اختار) فعلٌ يتعدى إلى مفعول واحد بغير حرف الجر، وإلى الثاني بحرف الجر، والمقدم في الرتبة هو المنصوب بغير حرف الجر، فإن قُدِّم المجرور فلنوع من العناية، وهي البيان، وإلا فالنية فيه التأخير (5).

ومما جاء من هذا قول الشاعر:

مِنّا الذي اخْتِيْرَ الرِّجالَ سَماحةً ** وَجُوْداً إذا هَبَّ الرِّياحُ الزَّعازِعُ (6)

أي مِن الرجال.

وقول الآخر:

أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْبَاً لَسْتُ مُحْصِيَهُ ** ربَّ العِبادِ إليه الوَجْهُ والعَمَلُ (7)

أي مِنْ ذنبٍ.

قال ابن أبي الربيع في شرح جمل الزجاجي: "واستدل أبو القاسم على أن العرب تقول: اخترت الرجالَ زيداً بقوله، تعالى: (واختار موسى قومه سبعين رجلاً) فقال: تأويله: من قومه، وهذا الذي ذكر هو البيِّّنُ في الآية ... ورأيتُ بعضَ المتأخرين يقول: يمكن أن يكون (سبعين رجلاً) بدلاً من (قومه)، وجعلهم قومه، وإن كان قومه أكثر من ذلك، لأنهم عمدة قومه. والبيّن في الآية ما أخذها عليه أبو القاسم، وهو الصواب " (8)

وأجاز بعضهم أن يكون (سبعين) بدلاً من (قومه) (9)، بدل بعض من كل، وجعله ابن أبي الربيع بدل كل من كل، فذكر جواب من قال بذلك إن قيل له: كيف يكون السبعون رجلاً هم قومه، مع أن القوم أكثر من ذلك؟ قال: " وجعلهم قومه، وإن كان قومه أكثر من ذلك، لأنهم عمدة قومه " (10).

والذين ذكروا هذا الرأي إنما ذكروه معتبرين البدل بعضًا من كل، وهو الأولى فيما ذهبوا إليه، لأن قوم موسى - عليه السلام - أكثر من سبعين.

وقد ضُعِّف هذا القول لأمرين:

الأول: أن الاختيار لابد فيه من مُخْتار ومُخْتارٍ منه، وإذا أُعرب بدلاً يكون المختارُ منه محذوفاً، وما هو واحد في نفسه لا يصح اختياره.

الثاني: أنه لابد من رابط بين البدل والمبدل منه، وقد قدروه بـ (منهم) (11).

ففي هذا الإعراب تكلُّفُ حذفٍ في رابط البدل، وفي المختار منه.

ويظهر لي أن ما ذهب إليه ابن أبي الربيع متابعاً فيه أكثر النحويين هو الأقرب، لأن حذف حرف الجر ووصول أثر الفعل إلى الاسم جائز في لغة العرب. ولأن الإعراب على أنه بدل يفضي إلى تكلف تقدير محذوف، ولا شك أن إجراء الكلام على ظاهره، وعلى مقتضى لغة العرب، أولى من التقدير والتأويل.

وشيء آخرُ وهو أن قولنا: اخترتُ الرجالَ زيداً يجوز فيه تقديم المفعول الأول، فيكون: اخترت زيداً الرجالَ، وفي تقديم المفعول على المجرور بـ (مِنْْ) دلالةٌ على أنه مفعول ثانٍ، وليس ببدل، إذ البدل لا يسوغ تقديمه (12). والله أعلم.


(1) قال أبو حيان عن هذه الأفعال: " هي مقصورة على السماع، وهي: اختار، واستغفر، وأمر، وكنى، ودعا، وزوج، وصدق " البحر المحيط 4/ 398. وينظر: الكتاب 1/ 38، وشرحه للسيرافي 1/ 144أ وللصفّار 2/ 675، والأصول 1/ 180. وزاد السمين على هذه الأفعال: حدّث، أنبأ، وأخبر، وخبّر، إذا لم تضمّن معنى (أعلم)، الدر المصون 5/ 474، وينظر: شرح شذور الذهب 369 - 376.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير