تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[خطأ مشهور وصواب مهجور]

ـ[أم مريم]ــــــــ[18 - 11 - 06, 02:46 ص]ـ

[خطأ مشهور وصواب مهجور]

سعيد الأفغاني

مقال لغوي كتبه الأستاذ سعيد الأفغاني بخطه قبل رحيله عن الدنيا ولم ينشر، ونشرته مجلة " التراث العربي" للمرّة الأولى.

نص المقال:

لعل من أغلى الحكم التي يتناقلها العامة في مجالسهم وأشباههم في بعض الوجوه قولهم: "خطأ مشهور خير من صواب مهجور"، يواجهون به من يتصدى لإصلاح غلط شائع بين الناس في فعل أو قول أو تصرف ما؛ فيبوء المصلح الناصح المتحمس الغيور بالاستنكار والخجل، ويفوز مرتكب الخطأ بنعت الحكمة والتعقل. وأمثّل بأربع كلمات مما يشيع اليوم:

1ـ نشر قبل سنوات الشيخ محمد هاشم رشيد الخطيب رسالة في منكر كان شاع جديداً مدة بدمشق وأنهى جملته بقوله " .. فلا حول ولا قوة إلا بالله." على ما يشيع عادة عند أكثر الناس. فعلق الشيخ محمد الكافي من العلماء المقيمين بالشام وتوفي وكان تونسي الأصل:

"قوله هنا (لا حول ولا قوة إلا بالله) خطأ، والصواب أن يقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون" فقوبل قول الناقد بالاستغراب من الجمهور مع أنه هو الصواب، لكن الشيوع جرى بالخطأ.

2ـ كلما ذكر ذاكر القطر السوري مال لسانه غالباً إلى الخطأ فشدد الياء ولفظها بالألف المقصورة (سوريّا)، فإذا نُبّه إلى الصواب في نطقها بالتخفيف وإبدال التاء بالألف هكذا (سورية) استغربوا قوله.

3ـ كانت وسائل الإعلام في الشام تقول (ميزانية الدولة) أو (ميزانية المؤسسة) بهذين المصطلحين الواضحين العربيين، فغابا هذه الأيام في بعض المناطق العربية، وحل محلها (كادر وكوادر) الفرنسيتان حين كثر في موظفيها خريجو المدارس الأجنبية.

4ـ كانت بعض الصحف تحذّر الكتاب من استعمال كلمة (أخصّائي) بدل (اختصاصي في جراحة القلب مثلاً) أو (في الهندسة) .. إلخ لأن معناها شنيع رديء فزادت لوحات المكاتب من هذا الغلط، كأن الدعوة كانت إلى استبدال الأدنى بالذي هو خير، ظناً أنهم يتفاصحون ... إلخ ما هنالك.

...

ليست كلمتي اليوم في شيء من هذا، بل في زلة سها فيها رواة قدماء فضلاء حين أثبتوا في تآليفهم لكتب النصوص الأدبية المختارة، أخطاء، نقلها خالف عن سالف، صارت هي التي نأخذ تلاميذنا باستظهارها على خطئها، ونُبه بعضهم إلى خطئها فأخذته العزة بالإثم فافتعل تعليلات صناعية لا أساس صحيحاً لها، ولو اعترف بخطئه وبادر إلى التصحيح كان أفضل، اعترافاً بالحق وحماية للغة من الإفساد.

تلك التي في أكثر طبعات ديوان امرئ القيس، حيث ضَبطتْ مطلعها بالفاء وهو خطأ فاضح:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بِسقط اللوى بين الدخول فحومل

وجمهرة المشتغلين بالأدب حتى اليوم يروونها بالفاء خطأً: (بين الدخول فحومل) التي لقنونا [إياها] في الحداثة كما في أكثر النسخ المطبوعة منذ حياة الشيخين الإمام الشنقيطي والزوزني، أول من عُني بطبع شروح المعلقات فيما أعلم. والظاهر أن ما آمن به الاقتصاديون اليوم، أن (البضاعة الرديئة تطرد من الأسواق البضاعة الجيدة) ليس قاصراً على الاقتصاد، بل تسرب إلى ميادين شتى. ومسألتنا اليوم من أشهرها عند أهل اللغة.

...

معروف عن الأصمعي رحمه الله أنه يتحرى في السماع، ولا يعتمد من الروايات إلا ما خلص عنده من الشوائب، ووثق بضبط راويه وعدالته. وهنا نراه مستمسكاً بعلمه وملكته في العربية؛ فقد ابتدأ أولاً بمحفوظه بشأن (بين)، ما طبيعتها اللغوية؟ ما استعمالاتها المختلفة في كلام العرب؟ فلما لم يظفر بشاهد صحيح عنده عن العرب يشبه ما ورد في رواية الفاء لم يقف عندها قط.

أرجع إلى شروح المعلقات، فأبدأ بشرح المعلقات وأخبار شعرائها للشنقيطي، فقد جاء فيه:

( ... وقوله "بين الدخول فحومل" على رواية الفاء أنكره الأصمعي، لأنه لا يقال هذا بين زيد فعمرو) وقد صحت الرواية (!) بالفاء وإن كانت رواية الواو أشهر.

قال ابن السكيت: إن رواية الفاء على حذف مضاف، والتقدير (بين أهل الدخول فحومل)

وقال خطاب: إنه على اعتبار التعدد حكماً، والتقدير [بين أماكن الدخول فحومل]، وهما موضعان).

والذين نصروا هذا القول اصطادوا له علة (مفتعلة) لا أساس لها، فزعموا أن (الدخول) مواضع عدّة. ولا بأس بالبدء بنظرة الأصمعي في ردّ رواية الفاء:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير