تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مولاي صلِّ وسلم دائماً أبداً * * * على حبيبك خير الخلق كلهم

ونسبوا فيه مناماً خاصاً للبوصيري، فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي ألقى بشطره الثاني على البوصيري.

والجزء الثالث هو إقرار الشاعر بذنوبه وطلب العفو عنها، ويشمل هذا الجزء الأبيات من (140 - 160) ويبدأ إقراره بقوله:

خدمته بمديح أستقيل به * * * ذنوب عُمْرٍ مضى في الشعر والخدم

ثم يقول:

لم تشتر الدين بالدنيا ولم تَسم * * * فيا خسارة نفس في تجارتها

ولكن طلبه للعفو كان موجهاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا من أكبر انحرافات البوصيري، وقد كرر هذا في عدة أبيات، منها:

إن آت ذنباً فما عهدي بمنتقض * * * من النبي، ولا حبلي بمنصرم

فإن لي ذمةً منه بتسميتي * * * محمداً، وهو أوفى الخلق بالذمم

إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي * * * فضلاً فقل يا زلة القدم

يا أكرم الرسل ما لي من ألوذ به * * * سواك عند حلول الحادث العَمِمِ

وعندما ذكر العفو والرحمة من الله رجا أن تكون الرحمة مقسومة حسب العصيان، لا الإحسان، فقال:

لعل رحمة ربي حين يقسمها * * * تأتي على حسب العصيان في القسم

وفي آخر هذا الجزء يختم القصيدة بالصلاة والسلام الدائمين على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا الجزء يكثر فيه دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- والاستغاثة به وإضافة صفات ربانية إليه، وإن كان الجزءان السابقان لا يخلوان من مثل ذلك، كقوله:

أقسمت بالقمر المنشق أن له * * * من قلبه نسبة مبرورة القسم

وقوله:

ما سامني الدهر ضيماً واستجرت به * * * إلا ونلت جواراً منه لم يُضم

هذه هي ميمية البوصيري التي كان لها أعظم الأثر في المديح النبوي، وتحويلها من مسارها السليم إلى مسار مليء بالانحرافات الشرعية، وقد ساعد المتصوفة وأصحاب الطرق على نشرها بغنائها وانشادها وتلحينها في كل مناسبة حتى الحروب فضلاً عن الأفراح والأحزان والموالد المبتدعة واحتفالات الحجيج.

ولم يقتصر أثرها على العامة، بل تعداه إلى الخاصة؛ إذ تزاحم الشعراء العرب وغير العرب على تقليدها، وتفننوا في ذلك حتى أنشؤوا فيها فنوناً أدبية منها:

أ- البديعيات التي تسير على نهجها وزناً وروياً ومضموناً وأجزاءً، ويكون كل بيت من أبياتها خاصاً بلون من ألوان علم البديع في البلاغة كبديعية صفي الدين الحلي (750 هـ) ومطلعها:

إن جئت سلعاً فسل عن جيرة العلم * * * واقرا السلام على عرب بذي سلم

وبديعية عز الدين الموصلي ومطلعها:

براعة تستهل الدمع في العلم * * * عبارة عن نداء المفرد العلم

ب- المدائح النبوية التي فيها التورية بكل سور القرآن، ومن أشهرها قصيدة ابن جابر الأندلسي (780 هـ)، ومطلعها:

في كل فاتحة للقول معتبرة * * * حق الثناء على المبعوث بالبقرة

وقد عارض ابن جابر في قصيدته هذه عدة شعراء حتى أُلِّف فيها كتاب مستقل وهو كتاب: (المدائح النبوية المتضمنة لسور القرآن الكريم لهاشم الخطيب).

ج - معارضتها وتشطيرها وتخميسها وتسبيعها ... ومن أشهر من عارضها من المحدثين: محمود سامي البارودي بمطولة بلغت (447 بيتاً) هي: (كشف الغمة في مدح سيد الأمة!)، ومطلعها:

يا رائد البرق يمم دارة العلم * * * واحْدُ الغمام إلى حي بذي سلم

وأحمد شوقي في قصيدة في (190 بيتاً) سماها: (نهج البردة)، مطلعها:

ريم على القاع بين البان والعلم * * * أحل سفك دمي في الأشهر الحرم

وقد زاد الغلو في المدائح النبوية منذ عهد البوصيري إلى بدايات العهد الحديث، ومن أمثلة هذا الغلو والمغالين محمد بن أبي بكر البغدادي الذي صنف ديواناً كاملاً باسم: (القصائد الوترية في مدح خير البرية) نظم فيه 29 قصيدة، وكل قصيدة منها 21 بيتاً. بحيث تبدأ أبيات كل قصيدة بحرف وتنتهي به نفسه، ومن مدحه الغالي قوله:

أغثني، أجرني، ضاع عمري إلى متى * * * بأثقال أوزاري أراني أُرزأُ

وقوله:

ذهاباً ذهاباً يا عصاةُ لأحمد * * * ولوذوا به مما جرى وتعوَّذوا

ذنوبكم تُمحى وتعطون جنة * * * بها دُرَرٌ حصباؤها وزمرد

ومن أشد الغالين: عبد الرحيم البرعي اليماني، فله ديوان شعر أكثره مدائح نبوية، ومن مدحه الغالي قوله:

سيد السادات من مضر * * * غوث أهل البدو الحضر

وقوله:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير