((بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في قريب من ثمانين رجلاً من قريش، ليس فيهم إلا قرشي، لا والله ما رأيت صفيحة وجوه رجال قط أحسن من وجوههم يومئذ، فذكروا النساء، فتحدثوا فيهن، فتحدث معهم، حتى أحببت أن يسكت، قال: ثم أتيته فتشهد، ثم قالك (فذكره)، ثم لحى قضيبه، فإذا هو أبيض يصلد)).
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/ 192):
((رواه أحمد وأبويعلى والطبراني في ((الأوسط)) ورجال أحمد رجال الصحيح، ورجال أبي يعلى ثقات)).
ورواه القاسم بن الحارث عن عبيد الله فقال: عن أبي مسعود الأنصاري.
أخرجه أحمد (4/ 118و5/ 274و274 - 275) وابن أبي عاصم في ((السنة)) (1118و1119 - بتحقيقي).
والقاسم هذا مجهول كما بينته في ((تخريج السنة)) فقوله: ((أبي مسعود)) مكان ((ابن مسعود))، وهم منه لا يلتفت إليه.
(يلحى): أي يقشر.
وهذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، فقد استمرت الخلافة في قريش عدة قرون، ثم دالت دولتهم، بعصيانهم لربهم، وإتباعهم لأهوائهم، فسلط الله عليهم من الأعاجم من أخذ الحكم من أيديهم، وذل المسلمون من بعدهم إلا ما شاء الله. ولذلك فعلى المسلمين إذا كانوا صادقين في سعيهم لإعادة الدولة الإسلامية أن يتوبوا إلى ربهم، ويرجعوا إلى دينهم، ويتبعوا أحكام شريعتهم، ومن ذلك أن الخلافة في قريش بالشروط المعروفة في كتب الحديث والفقه، ولا يحكموا آراءهم وأهواءهم، وما وجدوا عليه أباءهم وأجدادهم، وإلا فسيظلون محكومين من غيرهم، وصدق الله إذ قال: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). والعاقبة للمتقين.
الميثاق الرباني
1623 - (أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بـ (نعمان) _ يعني عرفة _ فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين. أو تقولوا إنما أشرك أباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون).
أخرجه أحمد (1/ 272) وابن جرير في ((التفسير)) (15338) وابن أبي عاصم في ((السنة)) (17/ 1) والحاكم (2/ 544) والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (ص326 - 327) كلهم من طريق الحسين بن محمد المروذي: ثنا جرير بن حازم عن كُلْثُوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم:
((صحيح الإسناد)). ووافقه الذهبي.
قلت: وحقهما أن يقيداه بأنه على شرط مسلم، فإن كلثوم بن جبر من رجاله وسائرهم من رجال الشيخين.
وتابعه وهب بن جرير: ثنا أبي به دون ذكر (نعمان) وقال أيضاً: ((صحيح الإسناد، وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبر)).ووافقه الذهبي أيضاً. وأما ابن كثير فتعقبه بقوله في ((التفسير)) (2/ 262)):
((هكذا قال، وقد رواه عبد الوارث عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فوقفه. وكذا رواه إسماعيل بن عُلَية ووكيع عن ربيعة بن كلثوم بن جبر عن أبيه به، وكذا رواه عطاء بن السائب وحبيب بن أبي ثابت وعلى بن بذيمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وكذا رواه العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس، فهذا أكثر وأثبت. والله أعلم)).
قلت: هو كما قال رحمه الله تعالى، ولكن ذلك لا يعني أن الحديث لا يصح مرفوعاً، وذلك لأن الموقوف في حكم المرفوع، لسببين:
الأول: أنه في تفسير القرآن، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع، ولذلك اشترط الحاكم في كتابه ((المستدرك)) أن يخرِج فيه التفاسير عن الصحابة كما ذكر ذلك فيه (1/ 55).
الآخر: أن له شواهد مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جمع من الصحابة، وهم عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو، وأبو هريرة، وأبو أمامة، وهشام بن حكيم أو عبد الرحمن ابن قتادة السلمي على خلاف عنهما-ومعاوية بن أبي سفيان، وأبو الدرداء، وأبو موسى، وهي وإن كان غالبهما لا تخلوا أسانيدها من مقال، فإن بعضها يقوي بعضاً، بل قال الشيخ صالح المقبلي في ((الأبحاث المسددة)): (ولا يبعد دعوى التواتر المعنوي في الأحاديث والرويات في ذلك))، ولا سيما وقد تلقاها أو تلقي ما اتفقت عليه من إخراج الذرية من ظهر آدم وإشهادهم على أنفسهم؛ السلف الصالح من الصحابة والتابعين دون اختلاف بينهم، منهم عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وناس من الصحابة، وأبي بن كعب وسلمان الفارسي، ومحمد بن كعب، والضحاك بن
¥