((قال بعض المحققين: إن بني آدم من ظهره، فكل ما أخرج من ظهورهم فيما لا يزال إلى يوم القيامة هم الذين أخرجهم الله تعالى في الأزل من صلب آدم، وأخذ منهم الميثاق الأزلي ليعرف منه أن النسل المخرج فيما لا يزال من أصلاب بنيه هو المخرج في الأزل من صلبه، وأخذ منهم الميثاق الأول، وهو المقالي الأزلي، كما أخذ منهم فيما لا يزال بالتدريج حين أخرجوا الميثاق الثاني، وهو الحالي الإنزالي. والحاصل أن الله تعالى لما كان له ميثاقان مع بني آدم أحدهما تهتدي إليه العقول من نصب الأدلة الحاملة على الاعتراف الحالي، وثانيهما المقالي الذي لا يهتدي إليه العقل، بل يتوقف على توقيف واقف على أحوال العباد من الأزل إلى الأبد، كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أراد عليه الصلاة والسلام أن يعلم الأمة ويخبرهم أن وراء الميثاق الذي يهتدون إليه بعقولهم ميثاقاً آخر أزلياً فقال (ما) قال من مسح ظهر آدم في الأزل وإخراج ذريته وأخذه الميثاق عليهم اهـ.
وبهذا يزول كثير من الإشكالات، فتأمل فيها حق التأمل)).
وجملة القول أن الحديث صحيح، بل هو متواتر المعنى كما سبق، وأنه لا تعارض بينه وبين آية أخذ الميثاق، فالواجب ضمه إليها، وأخذ الحقيقة من مجموعهما، وقد تجلت لك إن شاء الله مما نقلته لك من كلام العلماء، وبذلك ننجو من مشكلتين بل مفسدتين كبيرتين:
الأولى: رد الحديث بزعم معارضته للآية.
والأخرى: تأويلها تأويلاً يبطل معناها، أشبه ما يكون بتأويل المبتدعة والمعتزلة. كيف لا وهم أنفسهم الذين أنكروا حقيقة الأخذ والإشهاد والقول المذكور فيها بدعوى أنها خرجت مخرج التمثيل! وقد عز علي كثيراً أن يتبعهم في ذلك مثل ابن القيم وابن كثير، خلافاَ للمعهود منهم من الرد على المبتدعة ما هو دون ذلك من التأويل. والعصمة لله وحده.
ثم إنه ليلوح لي أننا وإن كنا نتذكر جميعاً ذلك الميثاق الرباني وقد بين العلماء سبب ذلك-فإن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والتي تشهد فعلاً بأن الله هو الرب وحده لا شريك له، إنما هي أثر ذلك الميثاق، وكأن الحسن البصري رحمه الله أشار إلى ذلك حين روى عن الأسود بن سريع مرفوعاً:
((ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة ... )) الحديث، قال الحسن عقبه: ((ولقد قال الله ذلك في كتابه: (وإذ أخذ ربك ... ) الآية)).
أخرجه ابن جرير (15353)، ويؤيده أن الحسن من القائلين بأخذ الميثاق الوارد في الأحاديث، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وعليه فلا يصح أن يقال: إن الحسن البصري مع الخلف القائلين بأن المراد بالإشهاد المذكور في الآية إنما هو فطرهم على التوحيد، كما صنع ابن كثير. والله أعلم.
أشرف حديث في صفة الأولياء
1640 - (إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته).
أخرجه البخاري (4/ 231) وأبو نعيم في ((الحلية)) (1/ 4) والبغوي في ((شرح السنة)) (1/ 142/2) وأبو القاسم المهرواني في ((الفوائد المنتخبة الصحاح)) (2/ 3/1) وابن الحمامي الصوفي في ((منتخب من مسموعاته)) (171/ 1) وصححه ثلاثتهم، ورزق الله الحنبلي في ((أحاديث من مسموعاته)) (1/ 2 - 2/ 1) ويوسف بن الحسن النابلسي في ((الأحاديث الستة العراقية)) (ق26/ 1) والبيهقي في ((الزهد)) (ق83/ 2) وفي ((الأسماء والصفات)) ص (491) من طريق خالد بن مخلد: حدثنا سليمان بن بلال: حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وهو من الأسانيد القليلة التي انتقدها العلماء على البخاري رحمه الله تعالى، فقال الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد هذا وهو القطواني بعد أن ذكر اختلاف العلماء في توثيقه وتضعيفه وساق له أحاديث تفرد بها هذا منها:
¥