وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم استمر دور المسجد النبوي في الدعوة إلى الله في عهد الخلفاء الراشدين كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية كثرت الأعباء مما اضطر إلى إنشاء دواوين خارج نطاق المسجد.
وكان من أهم وسائل الدعوة في هذه الفترة:
1 قتال من ارتد عن دين الله عز وجل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعادتهم إلى دين الله عز وجل حيث كان ذلك عاملاً رئيساً لتوحيد صف الأمة للتفرغ لمد الدعوة إلى البلدان التي لم تصلها الدعوة حتى ذلك الوقت.
2 التعليم وإقامة حلقات التدريس في القرآن الكريم والتفسير وغيره.
3 إرسال الرسل ومنهم الصحابة رضوان الله عليهم إلى شتى البلدان لتعليم المسلمين العلم.
4 الانطلاق لنشر هذه الدعوة الإسلامية، وإيصال هذا الخير للبشرية في شتى البقاع وإقامة الجهاد في سبيل الله ضد من يقف حجر عثرة أمام إيصال هذا الخير للبشرية.
5 المحافظة على جمع كلمة المسلمين ووحدة الصف الإسلامي حيث تم جمع القرآن الكريم مرتين، كانت الأخرى في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث أرسل بالمصاحف إلى البلدان وأرسل معها معلمين يقرؤون الناس ويعلمونهم ما في هذه المصاحف.
6 قيام الخلفاء والعلماء بصد هجمات المبتدعة وغيرهم من أهل الضلال وتبيين الحق للعامة لعدم الانخداع بهم.
وقد ضعفت بعض هذه الجوانب في نهاية عصر الخلفاء الراشدين نظراً لبروز بعض الفرق المخالفة لمنهج أهل السنة، ولانشغال المسلمين في الفتن التي دارت بينهم.
بعد عصر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، انتقلت السلطة السياسية إلى خارج المدينة المنورة، وبقي دور المسجد النبوي دوراً شامخاً في الدعوة إلى الله عز وجل، حيث ازدهر التعليم والتدريس في المسجد النبوي، وتنوعت الحلقات العلمية وأصبح المسجد النبوي مقصد العلماء للتعليم وطلاب العلم للتلقي على العلماء فيه، فإن طلب العلم من أفضل الأعمال، لاسيما إذا كان في المسجد النبوي، لقوله صلى الله عليه وسلم "من جاء مسجدي هذا لم يأت إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره" رواه الإمام ابن ماجه والإمام أحمد وغيرهما رحم الله الجميع.
ولأهمية المسجد النبوي وأهمية دوره في الدعوة إلى الله تعالى، فقد تنازعت السلاطين للسيادة على إدارة المسجد النبوي.
وقد كثرت وسائل الدعوة وتنوعت في هذه العصور الطويلة وكان من أهمها:
1 التعليم والتدريس لشتى الفنون من قراءة للقرآن الكريم، وتدريس لفنون مختلفة كالتفسير والعقيدة والحديث والفقه وأصول الفقه والفرائض وعلوم اللغة العربية ... وغيرها من العلوم.
2 أصبح لعلماء المسجد النبوي حضوة عند سائر المسلمين خاصة طلبة العلم حيث يرحل الطلبة من أقاصي الدنيا للدراسة على علماء المسجد النبوي، والتشرف بالتتلمذ لهم، ويظهر ذلك جلياً لمن قرأ كتب رحلات الحج فما من كاتب إلا وبسط أخذه عن علماء المسجد النبوي وتتلمذه لهم واغتباطه بهذا الأخذ.
3 كانت تزكيات وتقاريظ الكتب لمدرسي المسجد النبوي لها اعتبارها عند الخاص والعام، فمن أثنى عليه أو على كتابه مدرسو المسجد النبوي تلقى الناس كلامه أو كتابه باطمئنان.
وهي من الوسائل المساعدة في إبراز الشخص أو الكتاب وسرعة تلقي الناس له بالقبول، الأمر الذي جعل تلك الكتب وهؤلاء العلماء تقبل أقوالهم في شتى البقاع.
بقي أن نقول إن هناك وسيلة مشتركة بين جميع العصور من وسائل الدعوة إلى الله تعالى في المسجد النبوي لم تنقطع ولله الحمد منذ أنشأه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لها دور مهم وفعال في الأمة، ألا وهي خطب الجمعة المنبرية، على منبر خير البرية صلى الله عليه وسلم فكم قد أفادت وأصلحت في الأمة، وأثرها وكونها من وسائل الدعوة الرئيسية في المسجد النبوي لا ينكر ذلك عاقل.
أما في العصر الحاضر فقد تنوعت وسائل الدعوة إلى الله تعالى في المسجد النبوي فمنها:
تدريس العلوم الشرعية في حلقات العلم المتنوعة بالمسجد النبوي فهناك حلق في التفسير والحديث والعقيدة والفقه ... وغير ذلك.
ومنها حلقات تحفيظ وتعليم وعرض القرآن الكريم برواية حفص أو بالقراءات العشر.
ومن الوسائل المهمة توزيع المطويات والكتيبات على زوار المسجد النبوي.
ومن الوسائل المهمة الحديثة مكتبة المسجد النبوي بأقسامها حيث يستمر فتح مكتبة المسجد النبوي حوالي مدة فتح المسجد النبوي لإفادة طلاب العلم سواء عبر قاعات المطالعة والتي تحوي كتب فنون العلم المتنوعة، أو قسم المخطوطات الذي يزخر بنفائس المخطوطات، أو المكتبة الصوتية والتي تحوي الدروس المسجلة لعلماء المسجد النبوي، حيث يستطيع أي طالب علم أو زائر نسخ مقتنيات المكتبة مجانا.
كما أن هناك وسائل أخرى، وتتنوع هذه الوسائل من عصر إلى عصر حسب الإمكانات المتاحة.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر http://jmuslim.naseej.com/Detail.asp?InNewsItemID=177938