له أصحابه: ما بالك؟ قال: خرج حاتم بالسيف وأنا أنظر حتى نَحَرَ راحلتي، فنظروا إلى راحلته فإذا هي متجندلة لا تنبعث، فقالوا: قد والله قراك، فظلوا يأكلون لحمها شواءً وطبيخاً ثم ارتدفوهُ وانطلقوا سائرين، وإذا راكبُ بعيرٍ يقودُ آخر قد لحقهم، فقال: أيكم أبو الخيبري؟ فقال الرجل: أنا، فقال الراكب: أنا عدي بن حاتم، وإن حاتماً جاءني الليلةَ فذكر أنك استقريته واستنطيته وهو ينشدك:
أبا خيبري وأنت امرؤ
ظلوم العشيرة شتامها
أتيت بصحبك تبغي القرى
لدى حفرة صدحت هامها
أتبغي لي الذم عند المبيت
وحولي طي وأنعامها
فإنا سنشبع أضيافنا
ونأتي المطي فنعتامها
قال: وقد أمرني أن أحملك على بعير مكان راحلتك فدونكه. وقال الشاعر يمدح عدي بن حاتم:
أبوك أبو سباقة الخير لم يزل
لدن شبَّ حتى مات في الخير راغبا
قرى قبره الأضياف إذ نزلوا به
ولم يقر قبر قبله الدهر راكبا)
وذكر هذه القصة ابن عساكر في تاريخ دمشق (11/ 378).
2 - نصُّ أبي علي الهَجَري (ت بعد 300هـ) قال في أظايف: (جبل شرقي أجا، مطلع الشمس، به قبر حاتم، ليس قربه جبل) (13).
3 - نصُّ أبي رياش أحمد بن أبي هاشم القيسي (ت 339هـ)، نقل عنه البكري (ت487هـ) في معجم ما استعجم: (وقال أبو رياش: عوارض جبل في بلاد طيء، وعليه قبر حاتم وهذا هو الصحيح) (14).
4 - أبو الحسن العِمْراني الخوارزمي (ت560هـ) عن أبي القاسم الزمخشري جار الله (ت 538هـ) في جبل عوارض (قال العِمراني أخبرنا جارُ الله - أي الزمخشري - أن عليه قبر حاتم طيء) (15).
5 - ياقوت الحموي: (ت626هـ): (تنغة بضم أوله، والغين معجمة، ماء من مياه طيء، وكان منزل حاتم الجواد، وبه قبره وآثاره، وفي كتاب أبي الفتح الإسكندري قال: وبخط أبي الفضل: تنغة منهل في بطن وادي حائل، لبني عدي بن أخزم، وكان حاتم ينزله) (16).
فهذه خمسة نصوص تُحدد مكان قبر حاتم الطائي:
1 - أبو عبيدة معمر بن المثنى عن منصور بن يزيد الطائي يرى أنه: في تنغة.
2 - أبو علي الهجري يرى أنَّه: قرب جبل أظايف.
3 - أبو ريَّاش القيسي يرى أنَّه: في جبل عوارض.
4 - أبو القاسم الزمخشري يرى أنَّه: في جبل عوارض.
5 - ياقوت الحموي يرى أنَّه: في تنغة.
وليس هناك تباين بين من قال إنه في تنغة ومن قال إنه قرب جبل (أظايف)، فهما موضعان قريبان من بعض. والتَّبَاينُ والإشكالُ هو في تَحديد جبل عوارض، وإليك تَحديدُ هذه المواضع من كتب المعاجم والبلدانيات مع شيء من التحقيق:
أُظَايِف
وتُنطق عند العامَّة بحذف الألف (ظايف)، قال أبو علي الهَجَري في وصف أظايف (جبل شرقي أجا، مطلع الشمس، به قبر حاتم، ليس قربه جبل) (17). ويقول ياقوت الحموي: (أظايف: بالضم وبعد الألف ياء مكسورة وفاء، ويروى بالفتح وقد تقدم في الهمزة والطاء المهملة ولا أدري أأحدهما تصحيف أو هما موضعان وبالظاء المعجمة ذكره نصر، وقال هو جبل فارد لطيء طويل أخلق أحْمر على مغرب الشمس من تنغة، وكانت تنغة منزل حاتم الطائي) (18). وصوّب الشيخ حَمَد الجاسر أنَّها بالظاء وقال (19): (ولا يزال معروفاً، وهو جُبيل صغير، من سلسلة الجبال التي تقع شمال أجا، بينه وبين النفود، وعن يمين ذلك الجُبيل جبل أكبر منه يُدعى القاعد، ويبعد أظايف عن مدينة حائل بما يقارب الـ 40 كيلاً في الشمال الغربي منها).
قلت: إذا خرج السائر من بلدة القاعد على الطريق الرئيس شمالاً إلى بلدة الخُطَّة وجعل جبل القاعد يمينه، يرى على يسارهِ جبلٌ أصغر من القاعد في أول النفود ليس قربه جبل كما قال ذلك أبو علي الهجري، فارد على نص ياقوت، يقول له أهل تلك المنطقة (ظايف)، فهو ليس في الشمال الغربي منها، بل في الشمال يميل إلى الشرق قليلاً، وتسمي العامة هذه المنطقة التي تلتقي فيها الأرض السهلة مع النفود: اللُّغف. وأنشد حاتم الطائي (20):
إذا الريحُ جاءَتْ من أَمَامِ أظايفٍ
وَأَلْوَتْ بأطناب البيوت صدورها
وقد وقع في الديوان تصحيف أظايف إلى أخايف بالخاء وقال المحقق في الحاشية: وخائف جبل. ووجَّه الشيخ الجاسر لماذا خُصت ريح أظايف بشدة البرودة قال: (لأنَّ الجبل يقع بالنسبة لقرى أجا في الشمال الغربي وريح تلك الجهة هي أشد الرياح برداً في الشتاء ثم أن جهته مكشوفة لهبوب الرياح، بخلاف الجهات الأخرى).
تُنْغَة
¥