فأي قضية يدور حولها نقاش شرعي بدرجة ملفتة، يجب أن نتوقف عندها، فهذه قضايا الدين، يجب أن نتوقف وندرس ونتحرى في ضوء الأدلة الشرعية ومقاصد الدين، حتى لو اقتضى الأمر بتفرغ بعض الأفاضل لهذا الأمر مع التعب والإجهاد.
المحك العلمي:
أو ما نسميه المنهج العلمي، فقد أخذنا في العلوم الحديثة بالمنهج العلمي، وما دمنا قد أخذنا به فيجب أن نلتزم به في كل الأمور. وبالنسبة للبرمجة اللغوية العصبية فحسب المتوفر حتى الآن أنها لم تثبت، وهذا ذكره الأخوان المتحاوران، وكان الدكتور عبد الرزاق الحمد الاستشاري النفسي قد ذكر لي في لقاء قريب أنه لم تعترف بها أي جهة علمية!! وهذا المحك مهم جداًً فالمسألة غير معترف بها وغير مؤصلة ونأخذ بها!!
المحك الثالث:
النظر فيمن يتبعونها، فأكثر المتخصصين في علم النفس والطب النفسي وعلماء الشرع لم يدخلوا فيها ولم ينساقوا إليها برغم كثرة ما قيل عن منافعها، فانسياق النخبة أمر مهم جداً، ونلاحظ أن معظم من انساق وراء البرمجة هم العوام.
الجانب الثاني: المخاطر:
الأول:
أن البرمجة بهذه الصورة (لم تُحقَّق ولم تُؤصَّل) تتجه إلى العامة، وأقصد بالعامة غير المتخصصين كالمعلمين والموظفين والآباء والأمهات وهؤلاء عندهم شيء من الجهالة تخصصاًً وشرعاًً.
الثاني:
أن بعضاً ممن تصدى لهذه البرامج إما شرعيون أو لهم خلفية شرعية فصاروا حجة، وأصبح الناس ينظرون للبرمجة العصبية على أنها مقدمة من د. محمد الصغير، أو د. عوض القرني وغيرهم.
الثالث:
كون النقد الموجه للبرمجة اللغوية العصبية ليس للمحتوى، وليس نقداً تفصيلياً فقط، فلو كان كذا؛ لأمكن تصفيتها، وإنما الخطورة في كونها برنامجاًًً متكاملاً فهي برمجة، لها اسم ولها أساتذة ولها شهادات ولها اعترافات وجهات.
لذا لا يمكن أن تبقى على هذه الصورة، أنا مقتنع جداً بأنه يجب أن لا تبقى على هذه الصورة، فلو فرضنا أننا عدلنا وأخرجنا برنامجاًً صافياًً أشرف على تعديله وشهد له عدد من الفضلاء، ولا يوجد فيه مخالفة فلا يمكن كذلك أن نبقيها باسم البرمجة اللغوية العصبية فالمتدربون سيصبحون تلاميذك، وأنت تلميذ فلان وفلان، إلى أصولها غير المنقاة فسيقع الخطر.
الجانب الثالث:
يجب المطالبة بكل قوة بأن يعكف المتخصصون من ذوي الثقافة الشرعية على إخراج برامج مؤصلة مطعمة بما يفيد دون أن تدخل تحت هذا الاسم وهذا الإطار، ولا يمنع أن تجد بعد أن تنتهي من إعداده أن البرنامج فيه 10% أو 60% من مفاهيم البرمجة اللغوية العصبية ما دمت أصلاً قد بدأت من مصادرك الشرعية وانطلقت من ثوابتك العقدية والعقلية. وأكثر ما ذُكر من فوائد في البرمجة له أسس موجودة في الأدلة الشرعية فموضوعات الإيحاء، وقانون التكرار، والموضوعات التربوية المتعلقة بقانون التدرج، والمشاركة الإيجابية بالإضافة إلى أمور أخرى كثيرة يكتشفها الباحث في الأدلة الشرعية لاستخراج البرامج التربوية والتطويرية من خلال معرفته بالبرامج الغربية مثل البرمجة اللغوية العصبية أوغيرها، دون أن يدخل البرنامج الجديد تحت اسم البرمجة اللغوية العصبية.
ثم كان مسك الختام تعليق فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن المحمود أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الذي قال:
"الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
نشكر كل من ساهم في هذه الندوة من المتحاورين والمقدم والحاضرين والحاضرات فقد وصل الزخم عملياًً وإعلامياًً إلى حد أن تكون القضية كبيرة تحتاج إلى مواجهة دقيقة لمعرفة الحق، وهذه الندوة خطوة جيدة نافعة لتناول هذا الموضوع.
وقد تابعت ما كتب عن البرمجة، وأظن أن العراك حولها بدأ من وقت ليس بالطويل، وقد جالست وحاورت بعض من حضرها مع ما قرأت وأحب أن أبدي وجهة نظري الابتدائية وليست النهائية؛ فأنا أسجل رأيي بحسب ما سمعت وقرأت، وفي نيتي طلب تفرغ علمي لدراسة هذا الموضوع وغيره وتكوين رأي نهائي، وهذا لا يعفي الجميع من مسؤولية النظر في مثل هذه القضايا العلمية والعملية لأنها تمس ديننا وأمتنا ومجتمعنا وسيكون الأثر طيباًً إن عالجناها معالجة صحيحة والعكس بالعكس.
وأنا أوافق الدكتور النغيمشي في طرحه وما ذكره يمثل محاور علمية منهجية يجب أن تدرس هذه الأمور الكبرى في ضوئها وتناقش.
¥