تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى كل حال؛ فالتضخيم الذي يلمسه المطلع على أطروحات أصحاب الاتجاه الموضوعي للتفسير يستمد قوته من مصدره؛ وهو كتاب الله تعالى.

فقول أستاذنا – حفظه الله-:"

وهذه المقولات من هؤلاء الفضلاء فيها تزيُّدٌ ظاهر، ودعوى عريضة تحتاج إلى برهان قوي، وحجة واضحة، ولو قيل: إن التفسير الموضوعي يمثل لبنة من لبنات معالجة شيء من القضايا والمشكلات بطريقة القرآن = لكان أقرب، لكن أن يكون هذا الأسلوب هو الأسلوب الأمثل، والأولى، فذلك دونه خرط القتاد."

أقول: من وجهة نظري فإن التفسير الموضوعي إذا بُني على فهم الألفاظ القرآنية فهمًا سليمًا كما يقتضيه التفسير النبوي، وتفسير الصحابة، وكما يقتضية التفسير اللغوي؛ فلا شك أنه تفسير تحليلي وزيادة؛ فلما لا يكون الأمثل؟؟

أضف إلى ذلك إذا طرحت فيه نظرة القرآن لأمراض العصر، ومشكلاته.

فلماذا يُعد هذا النوع من الطرح بدعًا من القول؟؟

وهنا أجدني مُنساقًا إلى الحديث عن نقطة هامة أشار لها الدكتور أبو عبد الملك، ويتدارسها كثير من الباحثين:

ما هي المصادر المعتبرة في البحث في التفسير الموضوعي؟

وهل القول: بأن التفسير الموضوعي لابد أن يكون نابعًا من القرآن العظيم، ومما يُفهم من نصوصه؛ خطأٌ يجب أن يصحح!!.

وهل الباحث في التفسير الموضوعي لابد أن يذكر ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم، وما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم - في موضوعه؟

أشار الدكتور مساعد حفظه الله إلى طرف لهذه القضايا؛ فلا أحب أن أطيل بنقله، ولكن يبدو – والعلم عند الله – أن الباحث في التفسير الموضوعي بين أمرين:

أولهما: إن كان بحثه في قضية أشبعها القرآن بحثًا، وأحاط بجوانبها، ولا تكاد تجد في السنة إلا ما يؤيد المفهوم من دلالات الألفاظ.

ثانيهما: إن يكون للسنة شرح، وتقيد، وتخصيص، وإضافة قيود، وشروط ..

ففي الحالة الأولى لا يُعد إغفال الباحث للنص النبوي عيبًا يؤخذ عليه.

أما في الحالة الثانية؛ فلا أعلم كاتبًا في التفسير الموضوعي يُنكر ضرورة الأخذ بتقييدات السنة، وتخصيصاتها ...

إذا ما الفائدة التي يجنيها الباحث في هذا النوع من التفسير؟؟

فالجواب: إن ما يجنيه الباحث في هذا النوع من التفسير لا يمكن حصره! ولعل أهم ما فيه: الاستفادة من طريقة القرآن في علاج ظاهرة ما، وفي تتبع أسبابها، وفي النظرة الكلية لها ....

فهذه الفائدة لا يمكن أن يُستهان بها إطلاقًا، ولا يصح إغماضها بحجة الاكتفاء بطرح القرآن.

فالباحث عن موضوع معين؛ كأوقات الصلوات مثلًا- فإنه عندما يُشير لاشتمال القرآن على مواقيت الصلاة الخمسة، وذكرها مرة ثلاثة، مرة أربعة، ومرة خمسة سيجني فوائد لا حصر لها، منها:

اهتمام القرآن العظيم ببيان أوقات الصلوات.

تعظيم وقت الصلاة.

الفوائد المكتسبة من ذكر أوقات الصلاة بطرق مختلفة، وأن الوقت ينقلب في حالة المضطر إلى ثلاثة أوقات، ونحو ذلك.

فلا يصح بحال القول: ما المستفاد من معرفة طريقة القرآن؛ لأن للقرآن منهجًا فريدًا في موضوعاته، وكيفية طرحها، وهو نوع من إعجازه.

فالناظر في بيان القرآن لصفة النفاق – مثلًا - وكيف تتبع القرآن هذه الصفة الخبيثة، وكيف عالجها، واجتثها من أصول النفس، وكيف بين عوار أهلها، وكشف زيفهم .....

لا شك أن الباحث سيجد سيلًا عارمًا من الإضاءات، والإضافات، والتعليلات التي لا تظهر عند النظر في آية تطرقت لصفة النفاق، ودرست بمعزل عن أخواتها.

وقد ذكر أبو عبد الملك – وفقه الله – أن الباحث في التفسير الموضوعي لا ينطلق من البيان اللغوي؛ فقال:

" فمثلاً، لو كنت تبحث في موضوع (القنوت في القرآن)، وجعلت من عناوينك الرئيسة القنوت: الطاعة الدائمة، ثمَّ استدللت بقوله تعالى: {كل له قانتون}، فإن السؤال الذي سيرد هنا: من أين استقيت عنوانك هذا؟

فالجواب: إما أن يكون من دلالة اللغة، وإما أن يكون من تفسير المفسرين، وكلا المصدرين عندهم لا يُبنى منه عنوان".

والحق: إن الباحث في التفسير الموضوعي ينطلق من البيان النبوي، ومن البيان السلفي، ومن البيان اللغوي بشرط:

أن يكون لتبيين معنًى، أو لفظة، ولا يمكن بحال أن يعزل الباحث في التفسير الموضوعي- اللغة مثلًا - عن استدلالاته، فهو يجد في التفسير النبوي، وفي تفسير السلف، وفي التفسير اللغوي ما يُعينه على الاستدلال بالآية على ما يريد.

وكذلك فإنه قد يجد في الآية اختلافًا من باب التنوع؛ فلا ضير عليه أن يأخذ المعنى الذي يناسب بحثه؛ لأن كلا المعنيين حق!

ومادام ذلك كذلك؛ فإلزامه بذكر اختلاف السلف في لفظة ما لا يلزمه أبدًا، بل يكفيه أن يستشهد من الآية، أو اللفظة بما يؤيد كلامه، ما لم يكن معنًى باطلًا.

وهذا قريب من التفسير الإشاري؛ لأن الباحث قد يجد أحيانًا للآيات المجتمعة دلالة لا تظهر عند النظر في الآية مفردة، وهذا المعنى لا يبطله، ولا ينقضه شيء؛ فما المانع من الاستئناس به، والاستفادة منه؟

آمل أن أكون وفقت في بيان وجهة نظري القاصر، وآمل أن لا أكون كساقية أرادت اعتراض بحر متلاطم الأمواج؛ فلعل في اعتراضي ما يبين لي حقًا غائبًا، أو يوضح وجهة نظر، والله الموفق للصواب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير