تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال محمد حسين الذهبي (ت: 1397):» وإنما أدرجنا في التفسير المأثور ما رُوي عن التابعين ـ وإن كان فيه خلاف: هل هو من قبيل المأثور أو من قبيل الرَّأي؟ () ـ لأننا وجدنا كتب التفسير المأثور ـ كتفسير ابن جرير وغيره ـ لم تقتصر على ما ذكر مما روي عن النبي ?، وما روي عن الصحابة، بل ضمنت ذلك ما نقل عن التابعين في التفسير «().

والأصلُ الذي نقلا منه ـ وهو رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728) ـ جاء فيه ما يأتي:» وقال شعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين في الفروع ليست حجة، فكيف تكون حجة في التفسير؟ يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم. وهذا صحيح. أمَّا إذا اجتمعوا علي الشَّيء فلا يُرتابُ في كونه حُجَّةً، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن والسُّنَّةِ، أو عموم لغة العربِ، أو أقوال الصحابةِ في ذلك «().

وإذا وازنت بين هذه النُّقولِ تبيَّنَ لك أنَّهم تركوا مصطلحَ» طرق التفسير «إلى مصطلحٍ أحدثوه بدلاً عنه، وهو مصطلح» التفسير بالمأثور «، ونزَّلوا ما ذكرَه شيخ الإسلام في حديثه عن» طرق التفسيرِ «على هذا المصطلحِ الذي اصطلحوا عليه.

ثانيًا: علاقة المأثور بالرأي:

يُفهم ممن جعل التفسير بالرأي قسيمًا للتفسير بالمأثور، أنَّ التفسير بالرأي ما عدا الأربعة المذكورة في التفسير بالمأثور، وهذا فيه عدم تحرير، وقد ظهر من ذلك نتائج؛ منها: أنَّ التفسير المأثور أصح من التفسير بالرأي، وأنه يجب الاعتمادُ عليه.

وهذا الكلام من حيث الجملة صحيحٌ، إلا أنه لم يقع فيه تحديد مصطلح الرأي، ومعرفة مستندات الرأي لكلِّ جيلٍ من العلماءِ، وإذا تبينت هذه الأمور بانت العلاقة بينهما،وإليك بيانُ ذلك باختصار.

أولاً: ألم يقع الاجتهاد في التفسير عن السلف؟

إنَّ تسمية هذه الأربعة بأنها مأثور جعل بعض الباحثين الذين اعتمدوا هذا المصطلح يغفل عن وقوع الاجتهاد في التفسير عند السلف، فإذا كان لهم اجتهاد، فهل هو تفسير بالرأي، أو يُعدُّ بالنسبة لهم مأثورًا؟

فإذا كان المفسِّر المجتهد من الصحابة، فهل يُعدُّ تفسيرُه مأثورًا بالنسبة لغيره من الصحابة؟ ‍

وإذا كان المفسر المجتهد من التابعين، فهل يُعدُّ تفسيرُه بالنسبة للصحابة مأثورًا؟ ‍

لا شكَّ أنَّ الجواب: لا، لا يُعدُّ مأثورًا.

لكنَّ تفسير الصحابةِ بالنسبة للتابعين وأتباعهم مأثورٌ.

وتفسير التابعين بالنسبة لأتباع التابعين مأثورٌ.

والمراد بالمأثور هنا مطلق المعنى اللغوي أو الاصطلاحي عند علماء مصطلح الحديث. ولا يعني وصفه بأنه مأثور مطلق القبول، وتقديمه على غيره؛ لأنَّ في الأمر تفصيل ليس هذا محلُّه.

ولا يُخرجُ من هذه الإشكالات إلا إن قال من اصطلح على هذا المصطلح: أنا أريد بالرأي: الرأيَ المذمومَ، وهذا ما لم يشر إليه من درج على هذين المصطلحين.

ولبيان المسألة أكثر، أقول: بعد أن تشكَّل تفسيرُ السلفِ، وتحدَّد في طبقاتِه الثلاثِ (الصحابة والتابعين وأتباع التابعين) كما هو ظاهرٌ من نقولِ المعتنين بكتابة علم التفسيرِ من علماء أهل السُّنة، الذين اعتمدوا النقل أو الترجيح بين الأقوالِ، صار التفسير المأثور عن السلف مصدرًا يجب الرجوع إليه، والاعتماد عليه، وهذا ظاهر لا مشكلة فيه.

لكن هل يعني وصفه بأنه مأثور أنه لم يقع فيه تفسير بالرأي؟

إنَّ التفسيرَ بالرأي كان منذ عهد الصحابةِ الكرام، وكان لهم مستندهم في الرأي، من القرآن والسنة واللغة وأسباب النُّزول وشيءٍ من مرويات بني إسرائيل، وأحوال من نزل فيهم القرآن ... الخ.

وجاء التابعون، وكان جملةٌ كبيرةٌ من تفسيرِهم بالرأي، وكان لهم اختيارٌ في التفسيرِ قد يخالفُ اختيارَ أفراد الصحابةِ، وكانت مستندات الرأي عندهم ما كان عند الصحابةِ، وزاد في مصادرهم تفسيرُ الصحابةِ؛ لأنهم جاءوا بعدهم.

ثمَّ جاء أتباع التابعين، وكان الحالُ كما كان في عهد التابعين، وعليهم وقف النقلُ في التفسير، كما هو ظاهر من كتب التفسير التي نقلت أقوال السلف.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير