وكان تفسيرُ كل طبقة بالنسبة لمن جاء بعدهم مأثورًا، لكنه لا يحملُ صفة القبولِ المطلقِ لأنه مأثورٌ فقط؛ لأنَّ فيه جملة من الاختلاف التي تحتاج إلى ترجيح القول الأولى = بل له أسباب أخرى مع كونه مأثورًا.
إذا تبين ما سبق، فإنَّ التفسيرَ المأثورَ عن السلف على قسمين:
القسم الأول: المنقول المحض الذي لا يمكن أن يرد فيه اجتهاد، ويشمل تفسيرات النبي ? وأسباب النُّزول وقصص الآي والغيبيات.
والقسم الثاني: ما كان لهم فيه اجتهاد، ويظهر فيما يرد عليه الاحتمال من التفسير.
وما دام في تفسيرهم رأي، فما نوع الرأي الذي عندهم، وما نوع الرأي الذي جاء بعدهم؟
أما الرأي الوارد عنهم، فهو من قبيل الرأي المحمود؛ لأنهم لم يكونا يقولون في القرآن بغير علم، كما لم يكن عندهم هوى مذهبي يجعلهم يحرفون معاني الآيات إلى ما يعتقدونه، فلما سلِموا من هذين السببين اللذين هما من أكبر أسباب الوقوع في التحريف في التفسير، وكانوا يفسرون كلام الله على علمٍ، كان رأيهم محمودًا في التفسير.
ووجود قول ضعيف في تفسيرهم لا يعني أنه من الرأي المذموم، وما ورد من تفسيرات غريبة عن بعضهم؛ أعني بعض تفسيرات مجاهد (ت: 104) لمسخ بني إسرائيل قردة وخنازير، والميزان، والنظر إلى وجه الله إنما هي أفراد في تفاسيرهم، وهي نادرة لا تكاد تذكر.
وأما الرأي الذي جاء بعد تفسير السلف فهو على قسمين:
القسم الأول: رأيٌ محمودٌ، وهو المبني على علم، وهو نوعان:
النوع الأول: الاختيار من أقوالهم بالترجيح بينها إذا دعى إلى ذلك داعٍ، بشرط أن يكون المرجِّح ذا علم، ولا يختار من أقوالهم حسب هواه وميوله. ولا بدَّ أن يكون المرجِّح على علم بأنواع ما يقع من الاختلاف عنهم، وهو قسمان:
القسم الأول: أن يكون الخلاف راجعا إلى معنى واحدٍ، ويكون الخلاف بينهم خلاف عبارة، ويدخل الرأي هنا في توجيه أقوالهم على كونها على قول واحد ولا خلاف حقيقي ولا معتبر فيها.
القسم الثاني: أن يكون الخلاف بينهم راجعا إلى أكثر من معنى، فاختيار أحد هذه المعاني من المفسرين الذين جاءوا بعدهم إنما يكون برأي واجتهادٍ، كما فعل الطبري (ت: 310).
ثانيًا: الإتيان بمعنى جديد صحيح لا يناقض تفسيرهم، ولا يقصر معنى الآية عليه:
لا شكَّ في أن المعاني تنتهي، ولكن هذا لا يعني أن تفسير القرآن قد توقَّف على جيل أتباع التابعين، وأنه لا يجوز لغيرهم أن يفسِّر القرآن.
نعم لا يعني هذا، ولكن لابدَّ من ضوابط في هذا، وهو ما يشير إليه عنوان الفقرة من أن يكون المعنى صحيحًا واردًا في اللغة، وأن يكون غير مناقض لقول السلف، وأن لا يعتقد المفسر بطلان قولهم وصحة قوله فقط. فإذا حصلت هذه الضوابط = صحَّ ـ والله أعلم ـ التفسير الجديد، وصار من التفسير بالرأي المحمود المعتمد على علمٍ، والله أعلم.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[17 Apr 2003, 09:52 ص]ـ
القسم الثاني: رأي مذموم، وله عدة صور، ويغلب عليه أن يكون تفسيرًا عن جهل أو عن هوى، وعلى هذا أغلب تفاسير المبتدعة من المعتزلة والرافضة والصوفية وغيرهم.
وبعد هذا يتبين ما يأتي:
1 ـ أنَّ جعل التفسير بالمأثور مقابلا للتفسير بالرأي لا يصح.
2 ـ أنَّ تسمية الوارد عن السلف بأنه مأثور لا إشكال فيه، لكن لا يقابله غيره على أنه تفسير بالرأي؛ لأنَّ في هذا نسيان للرأي الواردِ عن السلفِ.
3 ـ أنَّ الحكم على التفسير المأثور بالقبول، يصحُّ من حيث الجملة، لكنه لا يتلاءم مع الاختلاف المحقق الوارد عنهم؛ وفي هذه الحال لابدَّ من معرفة القول الأولى أو القول الصحيح في الآية، وهذا يحتاج إلى رأي جديد، فهل تقف عند الاختلاف بزعم قبول المأثور، أم ترجِّح ما تراه صوابًا، فتكون ممن قال برأيه؟
4 ـ إنَّ ما ورد عن الصحابة أو التابعين أو أتباعهم، فإنه مأثورٌ، ولكنه لا يقبل لأجل هذه العلةِ، وإنما لعلل أخرى؛ كأن يكون إجماعًا منهم، أو قول جمهورهم، أو غيرها من الأسباب.
¥