وهناك جوانب أخرى للتفسير المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة تتمثل في السلوك والأعمال التي أثرت عنهم. وهذا يعرف من خلال دراسة سيرتهم العملية، وكيف كانوا يطبقون القرآن في وا قعهم؟ وماذا كان موقفهم من آياته على اختلاف أنواعها من آيات في الأحكام، وآيات في العقائد، وآيات في الوعد والوعيد،وآيات في القصص، وآيات في الترغيب والترهيب.
وهذا هو المقصود من قول عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلق رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فقالت: كان خلقه القرآن.رواه مسلم في حديث طويل [رقم 746].
أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يفسر القرآن بأقواله وأعماله وتصرفاته، حتى صار القرآن خلقاً له لا ينفك عنه بحال.
فآيات الأحكام فسرها صلى الله عليه وسلم لصحابته وأمته بما ثبت عنه من أقوال وأفعال وتقريرات في بيانها.
وآيات العقائد – ويدخل فيها الأمور الغيبية والمتشابه من القرآن – بينها لأمته وفسرها من خلال بيانه عليه الصلاة والسلام للموقف الصحيح الذي يجب عليهم أن يقفوه تجاهها من الإيمان بها على الوجه الصحيح، وعدم الخوض في تفصيلات لم يكلفوا بها، وأن يكون موقفهم موقف الراسخين في العلم الذين وصف الله حالهم بقوله: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا).
وآيات الوعيد والوعد كان تفسير النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام لها بتأثرهم بها خوفاً ورهبة عند الوعيد، ورجاءً ورغبة عند الوعد، مع العمل الذي يؤدي إلى الحذر من الوقوع في أسباب الوعيد، والسعي فيما يوصل إلى الإتصاف بصفات أهل والوعد والتصديق.
وأما آيات القصص؛ فتفسيرهم لها حصل بتصديق ما جاء فيها، واتعاظهم بما فيها من عبر وعظات.
وآيات الترغيب والترهيب فسروها بأن بادروا وسارعوا إلى فعل كل ما رغب الله فيه، وفروا من كل ما جاء فيه أدنى ترهيب، واجتنبوا الوقوع فيه وفي الأسباب الموصلة إليه.
وبذلك جمعوا بين العلم والعمل؛ فكانوا بحق كما وصفهم وأخبر عنهم أبو عبد الرحمن السلمي بقوله: (حدثنا من كان يُقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل. [أخرجه الإمام أحمد في المسند.
وبهذه النظرة المتكاملة إلى واقع النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وبهذا الشمول في معنى التفسير نستطيع أن نقرر باطمئنان وبدون ارتياب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام فسروا القرآن كاملاً.
وهذا ما يوافق الأدلة التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين للناس ما نزل إليهم، مثل قوله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) [النحل / 44].
وغير ذلك من الآيات والأحاديث التي تدل على ذلك.
ولعل هذه النظرة المتكاملة الشاملة هي التي دفعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن يقول: (يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لأصحابه معاني القرآن، كما بين لهم ألفاظه؛ فقوله تعالى: (لتبين لهم ما نزل إليهم) يتناول هذا وهذا ..... ) إلخ كلامه رحمه الله في مقدمته في أصول التفسير.
وللحديث بقية إن شاء الله.
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[18 May 2003, 06:54 ص]ـ
مما سبق تقريره في الدرس السابق يتبين لنا أهمية معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العملية في فهم القرآن الكريم، ومعرفة تفسيره على الوجه الصحيح.
وكذلك سيرة أصحابه رضي الله عنهم وخاصة خلفائه الراشدين، لمعرفتها أثر واضح في فهم القرآن الكريم.
ونظراً لكون العلماء رحمهم الله والمفسرين قد اهتموا بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من أقوال في تفسير آيات القرآن الكريم؛ فسأحاول في هذه الدروس أن أركز على الجانب العملي في سيرتهم، وذلك بذكر مواقف عملية للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته تعتبر تفسيراً عملياً للقرآن الكريم.
¥