تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فأما الرأي المحمود فهو الرأي المستنبط من الأدلة الشرعية وفق القواعد المرعية عند أئمة العلم. والدليل على أن الرأي منه محمود ومنه مذموم أن الله-تعالى- امتدح رأياً في مقام وذم الرأي في مقام آخر فقال الله-تعالى-: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً) فقال-سبحانه-: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ) فجعل التفهيم مرتبة فوق مرتبة العلم، وهذا لا يكون إلا بقوة الملكة في الفهم والوعي وهذا ما يسمّى بقوة الرأي المبني على الأصول الشرعية؛ لأنه إذا كان مبنياً على الأصول الشرعية فقد فهم من الوحي وهذا معنى (فَفَهَّمْنَاهَا) فأسند التفهيم إليه-سبحانه-، وأشار النبي- صلى الله عليه وسلم - إليه بقوله: ((من يرد الله به خيراً يفقهة في الدين)) والفقه في لغة العرب الفهم، ومنه قوله-تعالى-: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي. يَفْقَهُوا قَوْلِي) أي يفهموه، وكذلك أثنى رسول الأمة- صلى الله عليه وسلم - على الرأي الذي بذل فيه العالم جهده وأخبر أن الله لا يضيع أجره فقال- صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب كان له أجران، وإذا اجتهد وأخطأ كان له أجر واحد)) فانظر-رحمك الله- كيف أصبح الاجتهاد تارةً يصيب وتارةً يخطئ؛ ولكنه يثاب في كلتا الحالتين إلا أنه قال: ((إذا اجتهد الحاكم)) ولم يقل الناس والحاكم هو المجتهد الذي تأهل للحكم وتولي هذا المقام في الحكم عن الله ورسوله في تبليغ الرسالة وهم ورثة الأنبياء الذين حملهم الله-عز وجل- هذه المسؤولية، فالمقصود من هذا أنه إذا كان الرأي مبنيّاً على أصول شرعية صح تفسير القرآن به، ومن هنا فسر أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كتاب الله-تعالى- بكتاب الله، وفسروه بسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وفسروه بلسان العرب، وفسروه باجتهاد منهم مبني على أصول شرعية.

والدليل على ذلك: أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال في ابن عباس: ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)) ففتح عليه في فهم القرآن وفهم أدلته ودلالاته-رضي الله عنه وأرضاه- فهذا الحديث مثال من أمثلة تفسير القرآن بالسُّنة.

وأما تفسير القرآن بالهوى والرأي فاجتهادات وآراء لا تمت إلى الدين بصلة يقول بها من حرم سداد القول، ويجتريء عليها من سلب الورع-والعياذ بالله- وأوتي الجرأة على محارم الله وحدود الله، فأنزل نفسه في منزلة لا يليق به أن ينزلها فيها ذلك أن الله-عز وجل- جعل أمور الدين لأئمة العلم ودواوين العلم فقال-سبحانه-: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فمن سأل من ليس من أهل الذكر فقد حمل وزر المعونة على القول على الله بدون علم-والعياذ بالله-، ولذلك قرن الله-عز وجل- هذا النوع من الرأي والاجتهادات في الدين الذي لا يمت إلى الشريعة بصلة قرنه بأشد الأشياء وأشنعها (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) فقرن الله-تعالى- هذا الرأي المذموم بأعظم الأشياء وهو الشرك وقال-تعالى-: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) فقال: (وَمَنْ) أي ولا؛ لأن (من) في لغة العرب تستعمل بمعنى النفي، أي ولا أظلم ممن افترى على الله كذباً، فالذي يقول في كتاب الله وسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ودين الله وشرع الله برأيه وهواه واجتهاده فإنه قد قال على الله ما لم يقله وافترى في دين الله-عز وجل- والحكمة المشهورة وتروى مرفوعة، والصحيح أنها لا تثبت «من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب»، صحيح أنه أصاب لو أنه أصاب فقد أصاب لكنه أخطأ أي سيسأله الله-عز وجل- عن كونه يجتريء أن يتكلم في شيء كان ينبغي أن يسأل عنه من هو أعلم منه وأبصر منه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير