تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولقد شاع في هذه الأزمنة المتأخرة الجرأة على كتاب الله-تعالى- وتفسير كتاب الله-عز وجل- بأشياء ليست لها أصول شرعية ولم يبن فيها القول على القواعد المرعية، وربما تطاول أمثال هؤلاء على أئمة السلف ودواوين العلم حتى إنك تجده يقول: إن هذا التفسير كان القدماء يقولون كذا وكذا وكان القدماء يفسرون هذه الآية بكذا وكذا وتبين لنا أنها كذا وكذا؛ ومن أنت حتى يتبين لك ومن أنت حتى أصبحت بصيرتك أولى وأوعى عن الله ورسوله من أولئك الذين صقلت قلوبهم روحانية الكتاب والسُّنة.

نعم الآن مثلاً قد تطرأ أشياء أو أمور تكتشف مثلاً يقول بعضهم (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِح) فسر بعض أهل العلم أن الريح قد تلقح النخل وهذا ثابت ومعروف أن من النخل ما لا يحتاج إلى لقاح وأنه تلقحه الرياح وأن الرياح قد تلقح بعض الأشياء الموجودة من النباتات وتعني عن لقاح بعضها لبعض بقدرة الله-تعالى- فيأتي ويقول الأقدمون كانوا يفهمون أن قوله: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِح) بكذا وكذا والآن ثبت علمياً أنها تلقح السحب بعضها مع بعض نعم هذا نوع من الاكتشاف؛ لكن لا ينبغي استهجان السلف؛ لأنه إن اكتشف ذلك فليس عنده الملكة التي يفهم فيها ويغني إذ لو كان يفهم ويعي لقال إن النص عام لواقح في القديم بما يفهمه أهل القديم، ولواقح في الحديث بما يفهمه أهل الحديث، وأضف القديم إلى الحديث حتى يصبح قديم القرآن جديداً وجديده قديماً لا يتغير ما تغير الزمان وتعاقب الملوان (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ). ومن قال لك إن التفسير هو الذي تقوله أنت؟! هنا الإشكال فالإشكال أنه يفسر القرآن بحدود ضيقة يقال إنه الآن اكتشف والآن يفسر ثم ربما بولغ في هذا المقام إلى درجة أنه يسفه رأي الأقدمين حتى حضرت بعضهم ممن يشتغل بهذا ويقول نفكر الآن أن تفسير قوله-تعالى-: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) أن المراد به الصعود إلى القمر (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ. وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ. وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ. وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) حتى قال هذا: إنهم لا يطلعون إلا عند اكتمال القمر وعند هذا تكون الآية مفسرة على هذا الوجه. والآية واردة في مسألة هي أعظم المسائل وهي مسألة عقدية وهي كفر أهل الشرك باليوم الآخر وعدم إيمانهم به فأقسم الله بالشفق (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ.وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ. لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) أي أنهم ليمرون بأطباق الآخرة حتى يلقوا الله-جل وعلا- فيمرون بها مرحلة بعد مرحلة ومنزلة بعد منزلة كما بينتها الآيات الأخر. فالمقصود من هذا ينبغي الورع وينبغي أن ننزل تفسير القرآن عند من هو أهل، راعينا هذه المسألة؛ لأنها عمت بها البلوى ويحتاج الناس إلى أن يضبطوا أنفسهم بالضوابط الشرعية، وعلى الخطباء والأئمة أن ينبهوا الناس على الرجوع إلى الكتاب والسُّنة والرجوع إلى العلماء، وعدم قبول تفسير كتاب الله وسنة النبي- صلى الله عليه وسلم - من كل من هبّ ودبّ، وكذلك - أيضاً - إنزال هذا العلم بأهله ممن عرف باشتغاله بتفسير القرآن وأتقن ذلك وألم به أو عرف بتفسير السُّنة وأتقن ذلك وألم به فقد يكون الرجل فاهماً لحديث تخفى عليه أحاديث أخر مقيدة لمطلق هذا الحديث أو مخصصه لعمومه فيأتي ويظن أن الفهم ما فهمه والواقع أن هذا يحتاج إلى ضبط بضوابط أخرى، وكم من أحاديث ظواهرها شيء و المقصود منها في شرع الله شيء آخر، وقد تأتي الأوامر على أوجه، والنواهي على أوجه لا يعرفها إلا الراسخون في العلم، ومن هنا وصف الله- U- العلم بأنه مراتب ومنازل فقال-سبحانه-: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم) فالذي يريد النجاة من هذه الفتن التي عمت خاصةً في زماننا وأصبح الناس شذر مذر من كثرة الآراء والأهواء والتفسيرات والاجتهادات أن يردوا إلى شيء أمرهم الله أن يرجعوا إليه ولن تجد الأمة تعاني أيَّ شيء ولن تشتكي أيّ شكوى ولن تنزل بها أيّ مشكلة أو معضلة إلا إذا ضيعت أمر الله-تعالى- فإذا قال لك القائل كثرت علينا الأقوال والاجتهادات والله-تعالى- يقول: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) نعم كثرت حينما أصبح الإنسان يقبل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير