تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

«هجر لفظ: (الكفار) والاكتفاء بتعبير (غير المسلمين) مطلقاً»

يحرص بعض المسلمين على إطلاق عبارة «غير المسلمين» على الكفار والمشركين بجميع مللهم وكافة أحوالهم دون أي قيد، تأدباً في حمل الدعوة وتأليفاً لقلوب الكفار وحملهم على الدخول في الإسلام. ومن أدلتهم على ذلك قوله تعالى:) لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين [[الممتحنة] ومن برهم والإقساط إليهم أن نقول لهم وعنهم «غير المسلمين»، أي عند مخاطبتهم وعند الحديث عنهم وعند مكاتبتهم، فنتحاشى كلمة الكفر ومشتقاتها في كل حال. واستدلوا بقوله تعالى:] قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وأنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين، قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون [[سبأ]، فلم يقل نحن على هدى وأنتم في ضلال، ولم يقل ولا نسأل عما تجرمون، وهذا من اللين الذي أمرنا به في حمل الدعوة، والذي أمر الله به موسى وهارون عند مخاطبتهما لفرعون في قوله تعالى:] فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى [[طه]. واستدلوا بقوله تعالى:] فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [[الكهف/18] فإن الله سبحانه خيَّرهم بين الإيمان والكفر، وهذا منتهى الديمقراطية وحرية الاعتقاد، واللين في الخطاب، واستدلوا بقوله تعالى:] يا أيها الناس إنا خلقناكم [[الحجرات/13]] يا أيها الناس اتقوا ربكم [[النساء/1] وهذا الخطاب يشمل المؤمن والكافر، وهذا من اللين في الخطاب. ويمكنهم أن يستدلوا - ولم أسمعه منهم - بقوله سبحانه:] ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [[آل عمران] فالله سبحانه أطلق على ملل الكفر «غير الإسلام» فيقاس عليه «غير المسلمين»، وبقوله تعالى:] أفغير دين الله يبغون [[آل عمران/3] وغير دين الله هو الكفر، فكأنه سبحانه يقول: أفالكفر يبغون، ولكنه سبحانه خاطبهم بالقول اللين. لا خلاف في جواز بر الذين لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا والإقساط إليهم. إلا أن هذه الآية لا تدل على مسألتنا، فليس لها علاقة بموضوع تسمية الكفار بغير المسلمين، بل هي ترخص في برهم والإقساط إليهم، وتسميتهم بغير المسلمين ليست من برهم ولا من الإقساط إليهم. إذ إن المقصود ببرهم هو صلتهم والدليل على ذلك أن لفظ «تبروهم» حقيقة لغوية لم تنقل فتفهم كما وصفها العرب، قال في القاموس البر: الصلة، وقال في اللسان: بررته براً وصلته، وقال النووي في تحرير ألفاظ التنبيه: بررت فلاناً أي وصلته، وقال الأزهري في الزاهر، وبررت فلاناً أبرُّه براً إذا وصلته. وقال القرطبي: هذه الآية رخصة من الله تعالى في صلة الذين يعادون المؤمنين ولم يقاتلوهم. وقال الطبري: أن تبروهم وتصلوهم. وقال ابن الجوزي: هذه الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين. ويؤكد هذا ما ورد في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله r فاستفتيت رسول الله r قلت وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال نعم صلي أمك. وزاد البخاري في رواية عن ابن عيينة وهو أحد رواة الحديث أنه قال أي سفيان: فأنزل الله تعالى فيها:] لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين [ ... [الممتحنة/8]. وأخرج الحاكم سبب نزول هذه الآية من حديث عبدالله بن الزبير قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى بن أسعد من بني مالك بن حسل على ابنتها أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وكان أبوبكر طلقها في الجاهلية فقدمت على ابنتها بهدايا ضباباً وسمناً وأقطاً فأبت أسماء أن تأخذ منها وتقبل منها وتدخلها منزلها حتى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول الله r فأخبرته فأمرها أن تقبل هداياها وتدخلها منزلها فأنزل الله عز وجل:] لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم [ ... إلى آخر الآيتين. ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقد كان الصحابة يبرون أقاربهم المشركين والكفار ويصلونهم، ففي الحديث المتفق عليه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأى عمر بن الخطاب حلة سيراء عند باب المسجد فقال يا رسول الله لو اشتريتها فلبستها يوم الجمعة وللوفد، قال إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة، ثم جاءت حلل فأعطى رسول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير