تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهذه الصورة يأتي فيها جبريل في صورة رجل، يراه الحاضرون ويسمعون قوله ولايعرفون حقيقته، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم علم اليقين أنه جبريل، ويعي ما يقول.

وهي أخف من سابقتها، حيث يكون التناسب بين المتكلم والسامع ويأنس رسول النبوة عند سماعه من رسول الوحي، ويطمئن إليه اطمئنان الإنسان لأخيه الإنسان (7).

وقد دلّ على هذه الصورة أحاديث كثيرة:

منها حديث عائشة السابق، وفي آخره: {وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعى ما يقول} ().

ومنها حديث عمر بن الخطاب الذي رواه عنه ابنه عبدالله، حيث قال عمر في أول الحديث: بينما نحن جلوس عند النبي r ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لايُرى عليه أثر السفر، ولايعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي r ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه ... الحديث وفيه سؤال ذلك السائل النبي r عن الإسلام والإيمان والإحسان، وسؤاله عن الساعة وأماراتها، وفي آخره: أن النبي r قال لعمر: {يا عمر، أتدري من السائل؟} قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: {فإنه جبريل آتاكم يعلمكم دينكم} أخرجه مسلم ().

وفي رواية للإمام أحمد عن ابن عمر قال: وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي r في صورة دحية الكلبي ().

وفي صحيح البخاري عن أبي عثمان (8) قال: أنبئت أن جبريل أتى النبي rوعنده أم سلمة، فجعل يتحدث، فقال النبي r لأم سلمة: مَن هذا؟ أو كمال قال، قالت: هذا دحية، فلما قام قالت: والله ما حسبته إلاَّ إياه، حتى سمعت خطبة النبي r يخبر خبر جبريل، أو كما قال (9).

قال ابن حجر (10): (وكان جبريل يأتي النبي r غالباً على صورته) (11).

3 - أن يأتي جبريل في صورته التي خلقه الله عليها: وهذه الصورة نادرة، وقد ورد عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرَ جبريل على هذه الحالة إلاَّ مرتين، مرة في الأرض وهو نازل من غار حراء، ومرة أخرى في السماء عند سدرة المنتهى ليلة المعراج - كما سيأتي في كلام ابن القيم - رحمه الله -.

وهذه الصورة أشار إليها ابن عبدالبر بقوله: (وقد كان صلى الله عليه وسلم يُبَدّى له جبريل بين السماء والأرض، وذلك بيّن في حديث جابر بن عبدالله) ا هـ.

وحديث جابر هذا رواه البخاري في كتاب بدء الوحي، ولفظه: (قال ابن شهاب: وأخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن (12) أن جابر بن عبدالله الأنصاري قال - وهو يحدث عن فترة الوحي - فقال في حديثه: {بينا أنا أمشي، إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسٌ على كرسي بين السماء والأرض، فرُعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني، فأنزل الله تعالى: {يَأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنذِرْ} إلى قوله: {وَا؟ لرُّجْزَ فَا؟ هْجُرْ} [المدثر: 1 - 5] فحمي الوحي وتتابع}).

وأمَّا المرة الثانية التي رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيها جبريل على صورته فكانت في السماء، عند سدرة المنتهى، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى.عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 13، 14].

قال البغوي (13) - رحمه الله - في تفسيره: ({وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى} يعني: رأى جبريل في صورته التي خلق عليها نازلاً من السماء نزلة أخرى، وذلك أنه رآه في صورته مرتين، مرة في الأرض، ومرة في السماء) (14).

قال ابن القيم - رحمه الله -: (وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن المراد بقوله تعالى: {وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى.عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 13، 14] جبريل عليه الصلاة والسلام، رآه على صورته التي خلق عليها مرتين ... في صحيح مسلم عن أبي هريرة {وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى = 13} قال: رأى جبريل عليه السلام (15).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير