تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لله وحده، يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ويعلن تحرير الإنسان. بل يعلن "ميلاد الإنسان". . فالإنسان لا يولد، ولا يوجد، إلا حيث تتحرر رقبتة من حكم إنسان مثله وإلا حين يتساوى في هذا الشأن مع الناس جميعاً أمام رب الناس. . إن هذه القضيه التي تعالجها نصوص هذا الدرس هي أخطر وأكبر قضايا العقيده. . إنها قضية الألوهيه والعبوديه. قضية العدل والصلاح. قضية الحريه والمساوا. قضية تحرر الإنسان - بل ميلاد الإنسان - وهي من أجل هذا كله كانت قضية الكفر أو الإيمان، وقضية الجاهلية أو الإسلام. . (هامش رقم 897) والجاهليه ليست فتره تاريخيه إنما هي حاله توجد كلما وجدت مقوماتها في وضع أو نظام. . وهي في صميمها الرجوع بالحكم والتشريع إلى أهواء البشر، لا إلى منهج الله وشريعته للحياة. ويستوي أن تكون هذه الأهواء أهواء فرد، أو أهواء طبقه، أو أهواء أمه، أو أهواء جيل كامل من الناس. . فكلها. . ما دامت لا ترجع إلى شريعة الله. . أهواء. . يشرع فرد لجماعه فإذا هي جاهليه. لأن هواه هو القانون. . أو رأيه هو القانون. . لا فرق إلا في العبارات! وتشرع طبقه لسائر الطبقات فإذا هي جاهليه. لأن مصالح تلك الطبقه هي القانون - أو رأي الأغلبيه البرلمانيه هو القانون - فلا فرق إلا في العبارات! ويشرع ممثلوا جميع الطبقات وجميع القطاعات في الأمه لأنفسهم فإذا هي جاهليه. . لأن أهواء الناس الذين لا يتجردون أبداً من الأهواء، ولأن جهل الناس الذين لا يتجردون أبداً من الجهل، هو القانون - أو لأن رأي الشعب هو القانون - فلا فرق إلا في العبارات! وتشرع مجموعه من الأمم للبشريه فإذا هي جاهليه. لأن أهدافها القوميه هي القانون - أو رأي المجامع الدوليه هو القانون - فلا فرق إلا في العبارات! ويشرع خالق الأفراد، وخالق الجماعات، وخالق الأمم والأجيال، للجميع، فإذا هي شريعة الله التي لا محاباه فيها لأحد على حساب أحد. لا لفرد ولا لجماعه ولا لدوله، ولا لجيل من الأجيال. لأن الله رب الجميع والكل لديه سواء. ولأن الله يعلم حقيقة الجميع ومصلحة الجميع، فلا يفوته - سبحانه - أن يرعى مصالحهم وحاجاتهم بدون تفريط ولا إفراط. ويشرع غير الله للناس. . فإذا هم عبيد من يشرع لهم. كائناًمن كان. فردً أو طبقه أو أمه أو مجموعه من الأمم. . ويشرع الله للناس. . فإذا هم كلهم أحرار متساوون، لا يحنون جباههم إلا لله، ولا يعبدون إلا الله. ومن هنا خطورة هذه القضيه في حياة بني الإنسان، وفي نظام الكون كله: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن). . فالحكم بغير ما أنزل الله معناه الشر والفساد والخروج في النهايه عن نطاق الإيمان. . بنص القرآن. . الدرس الأول: 40 ذم المنافقين لتحاكمهم إلى غير الله ورسوله (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر، من الذين قالوا: آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ومن الذين هادوا. . سماعون للكذب، سماعون لقوم آخرين لم يأتوك، يحرفون الكلم من بعد مواضعه.

ـ[عبدالرحمن بن محمد الهرفي]ــــــــ[01 May 2003, 02:01 ص]ـ

المطلب الرابع: علاقة الحكم بما أنزل الله بالرضا بنبوة محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ:

الرضى بنبوة محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أصل الإيمان وهذا مما لا ينازع فيه أحد من المسلمين ومن مقتضى هذا الرضا الرضى بحكمه وتحكيم أمره ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: (وأما الرضى بنبيه رسولا فيتضمن كمال الانقياد له والتسليم المطلق إليه بحيث يكون أولى به من نفسه فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته، ولا يحاكم إلا إليه، ولا يحكم عليه غيره ولا يرضى بحكم غيره اللبته لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقامه ولا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه، لا يرضى في ذلك بحكم غيره، ولا يرضى إلا بحكمه، فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطر إذا لم يجد ما يقيته إلا من الميتة والدم. وأحسن أحواله أن يكون من باب التراب الذي إنما يتيمم به عند العجز عن استعمال الماء الطهور) ([11]) وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: (فالرضا بالقضاء الديني الشرعي واجب، وهو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان فيجب على العبد أن يكون راضيا به بلا حرج ولا منازعة ولا معارضة، ولا اعتراض.

قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء: 65] فأقسم أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله، وحتى يترفع الحرب عن نفوسهم من حكمه وحتى يسلموا لحكمه تسليما، وهذا حقيقة الرضى بحكمه. فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان والتسليم في مقام الإحسان) ([12])

وقال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: يقسم تعالى بذاته المقدسه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا ولهذا قال: (ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) [النساء: 65] أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة كما ورد في الحديث: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) ([13]).


([11]) مدارج السالكين ـ ابن القيم ـ تحقيق: عبدالعزيز بن ناصر الجليل ـ الأولى ـ 1423هـ ـ دار طيبة ـ 2/ 456

([12]) مندارج السالكين ـ ابن القيم ـ 2/ 201

([13]) تفسير ابن كثير ــ 1/ 520.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير