أقول: إن هنا المراد النظر في المنهج العام في التعامل مع الإسرائيليات، وهنا فرق بين أن يقال: يجوز رواية الإسرائيليات، والقول بقبول جميع الإسرائيليات، والقول بالقبول لا يقول به أحد، والقول الأول مأخوذ من منهج مفسري السلف (الصحابة والتابعين وأتباع التابعين)، وهذا الذي يقصد بحثه؛ لأنه يترتب على عيب نقل الإسرائيليات في التفسير نقد منهج السلف.
وهذه الفكرة ـ أيها الأخ الفاضل ـ لم ترتضِها ـ ولك ذلك، فالأمر راجع إلى الاجتهاد ـ لذا جاءت عندك كتابة منهج بارزة هكذا (منهج)، وهذا سديد منك لو كنت تتبعت التفسير المأثور عن السلف فانتقدت أن يكون منهجًا معروفًا عندهم.
وأقول لك: إنك على خُبرٍ أن التفسير المروي عن أفراد الصحابة لا يوازي المروي عن ابن عباس بحال، بل إنك تعلم أن بعض كتب طبقات المفسرين قد أدخلت بعض الصحابة في المفسرين، مع أنه لم يرد عنهم إلا القليل، بل النادر أحيانًا، وهذه مسألة تحتاج إلى بحث، وهي محلُّ نظر واختلاف آراء، وقد طرحتها في موضوع (مفهوم المفسِّر) في كتابي ((مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر)).
وأقصد من ذلك أنك لو طبقت هذا المنهج الذي ذكرته في قولك: ((الاحتجاج بفعل ابن عباس رضي الله عنه فيه الأمور التالية:
1.هل بقية الصحابة على نفس المنهج؟
الظاهر أن ابن عباس توسع في هذا الأمر وأما الوارد عن غيره من الصحابة فيمكن الجواب عنه بالأمور التالية:
هل الوارد عنهم قليل أم كثير؟ وهذه القلة هل يمكن أن يقال فيها: إنها منهج لهم أم يقال هذا من الأمور العارضة التي لا تكون مقصودة؟ وهل الوارد الصحيح عنهم فيه الروايات المنكرة؟
وقصدي من هذا انه ينبغي النظر في فعل الصحابة حتى ينظر هل هي مسالة أطبقوا عليها أم هي رأي لبعضهم خالفه آخرون من الصحابة)).
أقول: ولو طبقت منهجك هذا، فأنه لا يسلم لك بعض مصادر التفسير؛ وطرقه؛ لأنك ستجد القلَّة فيه عن غير ابن عباس ـ كالاستشهاد بالشعر ـ فهل يُرَدُّ ذلك من أجل أنك لا تجده إلا عن ابن عباس، أم ماذا؟.
أقول لك هذا مدارسةً لا تقريرًا، والأمر يحتاج إلى بحث واستقراء، وفقني الله وإياك وجميع الإخوة إلى تحرير مثل هذا.
ثمَّ استشهدت مشكورًا برأي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الله الخضيري في كتابه الممتع البديع ((تفسير التابعين))، ولي في هذا تعليقات:
الأول: أتمنى منك لو أعطيت نبذة مختصرة عن هذا الكتاب تعريفًا به لمن يتصفح هذا الملتقى؛ لأن هذا الكتاب من الكتب الفريدة في منهجية البحث، وفي فوائد نفيسة جدًّا، ظهرت بعد استقراء وتأمُّل.
وإني لأجدها فرصة أن أرفع للإخوة الذين يشاركون في الملتقى بأن يقوموا بالتعريف ببعض الكتب النافعة في علوم القرآن والتفسير؛ لأن الملتقى فرصة للتعريف بالكتب المتعلقة بعلوم القرآن والتفسير، والدال على الخير كفاعلة.
الثاني: إنَّ لي تحفُّظًا على مصطلح ((مدرسة)) في التفسير، لأمور:
1 ـ إن هذا المصطلح من المصطلحات الفلسفية المعاصرة، وقد ظهر للتعبير عن بعض الأفكار التي يتبناها مجموعة من الناس ويدافعون عنها، ويينضوون تحتها.
وهذا الأسلوب غير موجود في ما يسمى بمدارس التفسير مطلقًا.
2 ـ ثمَّ إنَّ هذا التصنيف منتقضٌ بما عُرِفَ من تنوع شيوخ بعض التابعين، وتنوع مواطنهم التي عاشوا فيها، فهل النسبة للمدرسة إلى الشيوخ أم إلى الموطن؟
ومن أمثلة من تعدد فيه هذه:
أبو العالية، فهو مدنيٌّ، ثمَّ بصري، وقد أخذ التفسير عن ابن عباس، فهل يُنسبُ إلى مدرسة المدينة لنشوئه الأول فيها، وتلقيه العلم على شيوخها، أم إلى البصرة التي استقرَّ بها بعد ذلك، فيكون من المدرسة البصرية، أم إلى تتلمذه على ابن عباس فيكون من المدرسة المكية.
مجاهد بن جبر، تلقى التفسير عن ابن عباس، وهو من أخصِّ تلاميذه، ثم تلقى العلم على بعض شيوخ المدينة من الصحابة، وأخذ بقراءة ابن مسعود واستفاد منها في التفسير، فإلى أي المدارس يُنسب.
الحسن البصري، كان مدني المنشأ، ثمَّ صار بصريًا، فإلى أي المدارس يُنسب، وهل كان الوعظ الذي تميَّز به مما أخذه من مدرسة المدينة، أم هو من اختصاصاته التي منَّ الله بها عليه.
¥