تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أبو مالك غزوان الغفاري، فهو كوفيٌّ، وقد أخذ التفسير عن ابن عباس، فهل يُلحقُ بالمدرسة الكوفية لاستيطانه بها، أم بالمدرسة المكية لأجل شيخه.

وكذا الحال بأبي الشعثاء جابر بن زيد البصري الذي تلقى التفسير عن ابن عباس، وهو بصري، مع ملاحظة قلَّةِ الرواية عنه في التفسير.

3 ـ وإذا لاحظت ما يتميز به أفراد كل مدرسة، فإنك ستجد بينهم تباينًا في المنهج التفسيري، ففي تلاميذ ابن عباس (المدرسة المكية) تجد أن عطاء منحاه في التفسير فقهي؛ لأنه مفتي مكة، لكن لم يبرز هذا المنحى عند غيره من تلاميذ ابن عباس كما برز عنده.

وتجد العناية ببيان المفردات عند مجاهد أكثر من غيره من تلاميذ ابن عباس، وهكذا غيرهم ممن له تميز في شيء من التفسير لا يبرز عند غيره من أصحابه.

وهذا يقود إلى الملحوظة الرابعة، وهي:

4 ـ هل ما يتميز به الواحد منهم يُعدُّ ميزة للمدرسة التي ينتمي إليها أم لا؟

الواقع أنه لا يُعدُّ من منهج المدرسة العام؛ لأنَّ مصطلح المدرسة ـ كما سبق ـ يرتبط بأفكار معينة تدور حولها المدرسة، ولا يمنع أن يكون لأفرادها اجتهادات فردية خارج إطار هذه الأفكار العامة، وهذه الاجتهادات الفردية لا تُنسب إلى المدرسة، بل تُنسب إلى أصحابها.

5 ـ ومما يدلُّ على عدم صحة هذا الإطلاق أنك تجد أن أصحاب المدرسة المنسوبين إليها قد يخالفون آراء شيخهم في التفسير، مما يدلُّ على أنهم لا يلتزمون رأيه في كلِّ شيء، ويمكن القول بأنهم لا يتبنونه في كل مسألة تفسيريه، والدليل على ذلك ورود أقوال عنهم تخالف أقوال شيوخهم، واختلافها من باب تنوع المعاني وتعدد الأقوال، وليس من باب الاختلاف الذي يرجع إلى قول واحد، وهذا الاختلاف ظاهر لمن يقرأ في تفسير السلف.

فإن قيل: إن الاختلاف في الأمثلة التفسيرية لا يعني الاختلاف في أصل المنهج التفسيري الذي سار عليه شيخ المدرسة.

فالجواب: إن المنهج التفسيري عند جميع هذه المدارس متقاربٌ جدَّا، بل إنهم يتفقون في أغلب المنهج، والاختلاف بينهم إنما هو في بعض الأمور الجزئية، كما أن الاختلاف كائن في القِلَّةِ والكثرة في الأخذ بهذا المصدر أو ذاك.

فكل المدارس ترجع إلى القرآن والسنة ولغة العرب وأسباب النُّزول وقصص الآي، وتُبَيِّنُ الحكم الفقهي الذي تتضمنه الآية، وتُبَيِّنُ من نزل فيه الخطاب، وتُبَيِّنُ مبهمات بعض الآي … الخ.

لكنهم بين مقلٍّ ومكثرٍ، أو بين من يرد عنه في هذه المصادر رواية ومن لا يرد عنه.

والذي يظهر أن تفسير السلف يصدر عن مدرسة واحدة، ومصادرهم وأصولهم متفقة، ليس بينهم فيها اختلاف، سوى الاختلاف في كثرة الاعتماد على هذا المصدر أو ذاك.

أما الإسرائيليات التي هي أصل هذا النقاش فهي مصدر من مصادرهم، والأمر فيها مختلف لورود الحديث المشهور فيها، وما وقع من خلاف في تطبيقه بين المفسرين لا يعني أنها ليست من المصادر، وكونها من المصادر لا يعني القبول المطلق لكل تفسير اعتمد على مروية إسرائيلية.

وأرى أن التميز يرجع إلى الأشخاص بذاتهم، وقد يظهر عليهم أثر شيوخهم فيهم، وكلما تعددَّت الشيوخ ظهر تنوع التفسير عند التلميذ، والله أعلم.

الثالث: أن ما نقلت من استقراء الدكتور محمد بن عبد الله الخضيري يخصُّ التابعين ـ في أغلبه ـ وأمر الإسرائيليات يحتاج إلى استقراء في طبقات السلف الثلاث للخروج برؤية واضحة في هذا المجال، مع اليقين بأنَّ ما يرد عن الصحابة فإن النفس إليه أسكن، ووضع التأصيل عليه أسلم.

ثمَّ أعود بعد هذا الاستطراد إلى بقية كلامك الممتع في الإسرائيليات، فأقول:

إن ما ذكرته بعد ذلك مفيد في كيفية الاستفادة من الإسرائليات التي رويت من طريق السلف، ويظهر أنَّ في ما ذكرته أمرين منفكين:

الأول: كيفية التعامل مع ما ورد عن السلف من الإسرائيليات سواءً أظهرت نكارتها لك، أم كانت مما لا يُحكم بنكارتها.

الثاني: التجوز في رواية الإسرائيلية للعامة.

أما في الأولى، فأرى أنني وإياك ملزمون بأدب التعامل مع السلف، ومعرفة منهجهم في ذلك، والحرص على تخريج ما ورد عنهم على وجه لا يخالف منهجهم العام، ومعرفة سبب قولهم بذلك إن أمكن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير