وأما الثانية، فأنت في مقام الاختيار، فلك أن تترك ما تراه غريبًا منكرًا من هذه الإسرائيليات، ولا تذكره البتة، وهذا المنهج قد سلكه بعض المفسرين، كالشيخ عبد الرحمن السعدي ففي تفسيره.
لكن المشكل عندك هنا فيما لو ذكر بعضهم شيئًا من هذه الروايات التي فيها نكارة عندك، فإنك تحتجُّ عليه بما ذكرت، ولعل هذا من باب اختلاف التنوع في الاجتهاد، والذي يقلُّ فيه التثريب، فمن روى فله سلف، ومن ترك وأعرض فله سلف، ولا شكَّ أن السلم البعدُ عن هذه المنكرات الإسرائيلية.
لكن أقول لك: إن الملاحظ أن بعض الناس لا يقبل الإسرائيلية حتى لو لم يكن فيها شيء غريب ولا منكر، فتراه يعلق على تفسير من التفاسير، ويقول في الحاشية: ((هذه إسرائيلية)).
فيفهم من كلامه أنها مردودة؛ لأنها إسرائيلية فقط، ولا ينظر إلى صحة انطباق القصة المذكور على الآية، وكونها مثالاً لمعنى الآية، وأن الآية تحتملها، وكل هذا لا يلزم منه قبول هذه الإسرائيلية من جهة الخبر؛ لأن قبول الأخبار له شرط، وبيان المعنى لا يدخل في شرط قبول الأخبار، فبينهما اختلاف في المنهج، لذا ترى في بيان المعنى أنه يقبل فيه ما لا يقوم حجة في نقل أحاديث الأحكام من الأسانيد، وهذا له باب آخر لعله يأتي تفصيله.
وأخيرًا، فإنَّ الموضوع لا يزال يحتاج إلى مطارحات علمية أخرى، وإني لأتمنى أن يكون للإخوة المشاركين في هذا الملتقى بحث جماعي في مرويات الإسرائيليات في تفسير السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم، فلو تصدَّر الأخ ((أبو بيان)) أو الأخ ((المشارك7)) ـ تكرُّمًا، لا أمرًا ـ إدارة هذا البحث، وطلب المشاركة من الإخوة، وأخذ كل واحد من الباحثين واحدًا من أعلام المفسرين من السلف، واستخرج المرويات الإسرائيلية عنده، ونظر في طريقة روايته لها، وأسلوب الرواية الواردة عنه:
هل كانت جوابًا لسؤال؟
هل كانت استشهادًا.
هل اعتمد عليها في بيان المعنى؟
هل فيها نكارة أو غرابة، وما موطن ذلك؟ … إلخ من الأسئلة التي ستظهر في بحث هذا الموضوع، ثمَّ يضع كل واحد ما وصل إليه في بحثه.
أظنُّ أنه سيُتوصَّل إلى حلِّ بعض المشكلات المستعصية في هذا الباب، والله أعلم.
هذا اقتراح أرجو أن يجد قبولاً، وكأني بكم تقولون: ما أسهل الاقتراح، لكن من ينفِّذ؟
أقول نعم، لكني أرجو أن يتميز هذا الملتقى بالإبداع في كل أموره، حتى في مثل هذه الأفكار التي قد يظنها بعض الناس صعبة التطبيق، لكن أقول: من استعان بالله أعانه، ومن كان همه خدمة كتاب ربه فإن الله سيوفقه، ويكفينا فخرًا أننا نكتب فيما يتعلق بهذا الكتاب العزيز، وأسأل الله لي ولكم الإخلاص في القول والعمل، وأن لا تخدعنا أنفسنا بما نقدِّم، وأن نكون من العاملين الجادين.
أعتذر إليكم عن الإطالة، وأرجو أن أكون قد بينت شيئًا مما يتعلق بتعليقكم أيها الأخ الكريم.
محبكم: أبو عبد الملك.
ـ[ابو يوسف]ــــــــ[17 May 2003, 11:43 م]ـ
الاخ أبو بيان كتبت
"ولا ينقضي عجبي وألمي ممن يحاول تجريد كتب التفسير من هذه الروايات الإسرائيلية , بزعم أنها غير مفيدة في التفسير "
ارجو ان تذكر بعض الامثلة ولك الشكر
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[18 May 2003, 11:10 م]ـ
بإمكانك أخي الفاضل أن تجد هذه العبارة في عدد من الكتب التي تحدثت عن الإسرائيليات في التفسير - وفي المقال بعضها - , وفي مقدمة عدد من كتب التفسير , وبالأخص مختصرات التفاسير التي تقذفها لنا المطابع تباعاً.
وذكرت في الموضوع منهج عدد من الرسائل العلمية التي لاتفرق في موضوع الإسرائيليات في كتب التفسير.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[26 Jun 2003, 10:20 م]ـ
قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في مقدمة كتابه (الجامع لأحكام القرآن):
وشرطي في هذا الكتاب:. . , وأضرب عن كثير من قَصَص المفسرين , وأخبار المؤرخين , إلا ما لابد منه , ولا غنىً عنه للتبيين. ا. هـ
فإن كانت الإسرائيليات داخلة في مراد القرطبي بـ: (قَصَص المفسرين , وأخبار المؤرخين)؛ فكلامه هذا شاهد جيد لِما ذكرناه في أصل الموضوع.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[26 Jul 2003, 05:58 م]ـ
الوقفة الحادية عشر:
أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له رجلاً منهم وامرأة زنيا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة؟ قالوا: نفضحهم ويجلدون. قال عبد الله بن سلام: كذبتم , إن فيها آية الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها , فوضع أحدهم يده على آية الرجم , فقال ما قبلها وما بعدها , فقال عبد الله بن سلام: ارفع يدك , فرفع يده فإذا آية الرجم , قالوا: صدق , فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما.
في الحديث:
تسمية الجملة من التوراة: آية.
¥