تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والذي يمعن النظر في تلك الأقوال والآراء التي وردت في كتب العلماء يجد أن بعضها غير معزو لقائله، وبعضها الآخر استنباطاً بعيد المأخذ، ومنها آراء كثيرة ذات مضمون واحد أو متقارب وإن اختلف التعبير؛ ولذلك فإن حاصل هذه الأقوال والآراء، وما له بال منها يرجع إلى ستة أقوال، هي التي ذكرها ابن عبدالبر - رحمه الله - في كلامه السابق، وهي:

القول الأول: أن معنى {سبعة أحرف} سبع قراءات، والحرف ههنا القراءة، وهو قول الخليل بن أحمد.

القول الثاني: أنها سبعة أنحاء، كل نحو منها جزء من أجزاء القرآن خلافاً للأنحاء الأخرى.

ومعنى الحرف عند أصحاب هذا القول: صنف من الأصناف، نحو قول الله عزوجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 11] فذهب هؤلاء في قول رسول الله: {أنزل القرآن على سبعة أحرف} إلى أنها سبعة أنحاء وأصناف، فمنها زاجر، ومنها آمر، ومنها حلال، ومنها حرام، ومنها محكم، ومنها متشابه، ومنها أمثال.

القول الثالث: أنها سبع لغات، في القرآن مفترقات، على لغات العرب كلها يمنها ونزارها؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهل شيئاً منها، وكان قد أوتي جوامع الكلم.

القول الرابع: مثل الثالث، ولكن اللغات السبع كلها إنَّما تكون في مضر فجائز أن يكون منها لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لقبة، ومنها لقيس، فهذه قبائل مضر، تستوعب سبع لغات على هذه المراتب.

القول الخامس: أن معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل، وتعال، وهلم، وعلى هذا أكثر أهل العلم.

القول السادس: أن المراد بالأحرف السبعة وجوه التغاير السبعة التي وقع فيها الاختلاف، والتي هي:

1 - ما يتغير حركته ولايزول معناه ولا صورته.

2 - ما يتغير معناه ويزول بالإعراب ولاتتغير صورته.

3 - ما يتغير معناه بالحروف واختلافها بالإعراب ولاتتغير صورته.

4 - ما تتغير صورته، ولايتغير معناه.

5 - ما تتغير صورته ومعناه.

6 - التقديم والتأخير.

7 - الزيادة والنقصان.

وسيأتي - إن شاء الله - زيادة توضيح لهذه الأوجه عند مناقشة هذه الأقوال.

وأمَّا القول الأقوى والأشهر فهو أن معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل، وتعال، وهلم.

وهذا القول هو الذي عليه أكثر أهل العلم، وإليه ذهب سفيان بن عيينة، وعبدالله بن وهب، وابن جرير الطبري والطحاوي، وغيرهم من أهل العلم، واختاره ابن عبدالبر كذلك.

فالأحرف السبعة على هذا القول سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد، نحو: أقبل، وتعال، وهلم، وعجل، وأسرع، فهي ألفاظ مختلفة لمعنى واحد.

وقد بين ابن عبدالبر - رحمه الله - سبب اختياره لهذا القول، حيث ذكر أن هذا القول هو أولى الأقوال بالصواب لأمور منها:

[1]- دلالة الأحاديث المرفوعة على ذلك، ومن الأحاديث التي ذكرها، وذكر أنها تدل على صحة هذا القول:

أ) - حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف، قال: فقال ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ إلى سبعة أحرف، فقال: اقرأه فكل شاف كاف، إلاَّ أن تخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، على نحو هلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل.

ب) - حديث سليمان بن صرد، قال: قرأ أبيٌّ آية، وقرأ ابن مسعود آية خلافها، وقرأ رجل آخر خلافهما، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبيّ: ألم تقرأ آية كذا وكذا كذا وكذا؟ وقال ابن مسعود: ألم تقرأ آية كذا وكذا كذا وكذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {كلكم محسن مجمل}. قال - أي أبيّ - قلتُ: ما كلنا أحسن ولا أجمل. قال: فضرب صدري، وقال: {يا أبيّ، إني أُقرئت القرآن، فقلتُ: على حرف أو حرفين، فقال لي الملك الذي عندي: على حرفين، فقلتُ: على حرفين أو ثلاثة، فقال الملك الذي معي: على ثلاثة، فقلتُ: على ثلاثة، هكذا حتى بلغ سبعة أحرف، ليس منها إلاَّ شاف كاف، قلتُ: غفوراً رحيماً أو قلتُ: سميعاً حكيماً، أو قلتُ: عليماً حكيماً، أو عزيزاً حكيماً، أي ذلك قلت

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير