فإنه كما قلت. وزاد بعضهم في هذا الحديث: ما لم تختم عذاباً برحمة، أو رحمة بعذاب}.
قال ابن عبدالبر بعد هذا الحديث: (قال أبو عمر: أمَّا قوله في هذا الحديث: قلتُ: سميعاً عليماً، وغفوراً رحيماً، وعليماً حكيماً، ونحو ذلك، فإنَّما أراد به ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها، أنها معان متفق مفهومها مختلف مسموعها لايكون في شيء منها معنى وضده، ولا وجه يخالف وجهاً خلافاً ينفيه أو يضاده كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده، وما أشبه ذلك.
وهذا كله يعضد قول من قال: إن معنى السبعة الأحرف المذكورة في الحديث: سبعة أوجه من الكلام المتفق معناه المختلف لفظه نحو: هلم، وتعال، وعجل، وأسرع، وانظر، وأخر، ونحو ذلك) ا هـ.
جـ) - عن أبيّ بن كعب قال: أتى جبريلُ النبيَّ - عليهما السلام - وهو بأضاة بني غفار، فقال: {إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تقرئ أمتك على حرف واحد، قال: اسأل الله مغفرته ومعافاته، أو قال: معافاته ومغفرته سل لهم التخفيف فإنهم لايطيقون ذلك، فانطلق ثُمَّ رجع، فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين، قال: اسأل الله مغفرته ومعافاته، أو قال: معافاته ومغفرته، إنهم لايطيقون ذلك، فاسأل لهم التخفيف، فانطلق ثُمَّ رجع، فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، قال: اسأل الله مغفرته ومعافاته، أو معافاته ومغفرته، إنهم لايطيقون ذلك، فسل لهم التخفيف، فانطلق ثُمَّ رجع، فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ القرآن على سبعة أحرف، فمن قرأ منها حرفاً فهو كما قرأ}.
د) - حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {هذا القرآن انزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ولا حرج، ولكن لاتختموا ذكر آية رحمة بعذاب، ولا ذكر عذاب برحمة}.
فهذه الأحاديث التي ذكرها ابن عبدالبر، وغيرها تدل على أن القول الذي اختاره هو الصواب - إن شاء الله -.
[2]- دلالة الآثار وأقوال علماء الأمصار في هذا الباب على أن هذا القول هو الصواب، وأنه أصح وأقوى من الأقوال الأخرى.
ومن هذه الآثار:
أ - ما رواه الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: إني سمعت القراءة فرأيتهم متقاربين، فاقرأوا كما علمتم، وإياكم والتنطع والاختلاف، فإنَّما هو كقول أحدكم: هلم، وتعال.
ب - وعن ابن عباس، عن أبيّ بن كعب أنه كان يقرأ: {لِلَّذِينَ ءَامَنُوا انظُرُونَا} [الحديد: 13]: للذين ءامنوا امهلونا، للذين ءامنوا أخرونا، للذين ءامنوا ارقبونا.
وكذلك روى عنه أنه كان يقرأ: {كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ} [البقرة: 20]: مروا فيه، سعوا فيه.
قال ابن عبدالبر بعد هذا الأثر عن أبيّ بن كعب: (كل هذه الأحرف كان يقرؤها أبيّ بن كعب، فهذا معنى الحروف المراد بهذا الحديث - والله أعلم -). [التمهيد 8/ 291.]
جـ) - قال ابن شهاب الزهري: إنَّما هذه الأحرف في الأمر الواحد ليس تختلف في حلال ولا حرام.
وقال أيضاً في الأحرف السبعة: هي في الأمر الواحد الذي لا اختلاف فيه.
د) - وسئل سفيان بن عيينة عن اختلاف قراءة المدنيين والعراقيين هل تدخل في السبعة الأحرف؟ فقال: لا، وإنَّما السبعة الأحرف كقولهم: هلم، أقبل، تعال، أي ذلك قلت: أجزأك قال أبو بكر محمد بن عبدالله الأصبهاني المقرئ: ومعنى قول سفيان هذا أن اختلاف العراقيين والمدنيين راجع إلى حرف واحد من الأحرف السبعة.
وهذا الذي ذكره الأصبهاني هو ما ذهب إليه ابن جرير الطبري وأبو جعفر الطحاوي، كما سيأتي - إن شاء الله -.
وللحديث بقية إن شاء الله
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[10 May 2003, 11:31 م]ـ
بسم الله
بعد بيان القول الراجح - حسب ما توصلت إليه - أذكر ما ذكره أهل العلم من ردود على الأقوال الأخرى في هذه المسألة:
القول الأول: وهو أن معنى {سبعة أحرف} سبع قراءات، والحرف بمعنى القراءة، وهو منسوب إلى الخليل بن أحمد، لا يلتفت إليه، فهو قول مردود.
قال الزركشي في أثناء ذكره لأقوال العلماء في بيان معنى الأحرف السبعة: (الثاني - وهو أضعفها - أن المراد سبع قراءات، وحكى عن الخليل بن أحمد، والحرف هاهنا القراءة). [البرهان في علوم القرآن للزركشي 1/ 305.]
¥