تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومعلومٌ أن تماريهم فيما تماروا فيه من ذلك، لو كان تمارياً واختلافاً فيما دلت عليه تلاواتهم من التحليل والتحريم، والوعد والوعيد، وما أشبه ذلك لكان مستحيلاً أن يصوب جميعهم ويأمر كل قارئ منهم أن يلزم قراءته في ذلك على النحو الذي هو عليه؛ لأن ذلك لو جاز أن يكون صحيحاً وجب أن يكون الله جل ثناؤه قد أمر بفعل شيء بعينه وفرضه في تلاوة من دلت تلاوته على فرضه، ونهى عن فعل ذلك الشيء بعينه وزجر عنه في تلاوة الذي دلت تلاوته على النهي والزجر عنه، وأباح وأطلق فعل ذلك الشيء بعينه، وجعل لمن شاء من عباده أن يفعله فِعْلَه، ولمن شاء منهم أن يتركه تَرْكَه، في تلاوة من دلت تلاوته على التخيير؛ وذلك من قائله - إن قاله - إثبات ما قد نفى الله جل ثناؤه عن تنزيله بقوله: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

وفي نفي الله جل ثناؤه ذلك عن محكم كتابه أوضح الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلاَّ بحكم واحد متفق في جميع خلقه لا بأحكام فيهم مختلفة) ا هـ. [من تفسير الطبري 1/ 48، 49 بتصرف يسير جداً، وانظر: نزول القرآن على سبعة أحرف لمناع القطان ص 82، 83.]

وبهذا نعلم أن هذا القول مردود من جهة الرواية والدراية والعقل. [انظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم لمحمد محمد أبو شهبة ص 178.]

وأمَّا القول الثالث ويدخل فيه القول الرابع، وهما أن معنى السبعة الأحرف سبع لغات من لغات العرب، سواء كان على لغات العرب كلها - كما في القول الثالث - أم على لغات مضر خاصة - كما في القول الرابع - فهما مردودان أيضاً وإن قال بهما جماعة من العلماء، منهم أبو عبيد القاسم بن سلام، وثعلب، وأبو حاتم السجستاني، واختاره ابن عطية كما اختاره قبله الأزهري في تهذيب اللغة.

قال ابن عبدالبر - رحمه الله -: (وأنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: {أنزل القرآن على سبعة أحرف} سبع لغات وقالوا: هذا لا معنى له؛ لأنه لو كان ذلك لم ينكر القوم في أول الأمر بعضهم على بعض؛ لأنه من كانت لغته شيئاً قد جبل وطبع عليه وفطر به لم ينكر عليه.

وفي حديث مالك عن ابن شهاب المذكور في هذا الباب رد قول من قال: سبع لغات؛ لأن عمر بن الخطاب قرشي عدوي، وهشام بن حكيم بن حزام قرشي أسدي، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته، كما محال أن يقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً منهما بغير ما يعرفه من لغته، والأحاديث الصحاح المرفوعة كلها تدل على نحو ما يدل عليه حديث عمر هذا).

وقال أيضاً مرجحاً القول الذي اختاره ومبيناً السبب في ذلك: (وسنورد من الآثار وأقوال علماء الأمصار في هذا الباب ما يتبين لك به أن ما اخترناه هو الصواب فيه - إن شاء الله -، فإنه أصح من قول من قال: سبع لغات مفترقات لما قدمنا ذكره، ولما هو موجود في القرآن بإجماع من كثرة اللغات المفترقات فيه حتى لو تقصيت لكثر عددها، وللعلماء في لغات القرآن مؤلفات تشهد لما قلنا، وبالله التوفيق).

ويُمكن أن نجمل الردود على هذا القول بما يلي:

1. أن هذا القول بعيد غاية البعد عن الروايات التي جاءت في هذا الباب، كما أنه لايتفق مع الحكمة التي نزل القرآن على سبعة أحرف من أجلها؛ لأنه يقتضي أن القرآن أبعاض، كل بعض بلغة، وهذا لايتأتى فيه رفعُ الحرج والمشقة، والتيسيرُ والتسهيلُ، إذ كل قبيلة مكلفة شرعاً بقراءة القرآن جميعه وفهمه والعمل به، فهذا القول لايحقق الغرض الذي لأجله نزل القرآن على سبعة أحرف. [المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة ص 170.]

2. أن في القرآن الكريم ألفاظاً كثيرة من لغات قبائل أخرى غير السبعة التي عدّوها، حتى عدّ بعضهم لغات العرب التي جاءت في القرآن، وأوصلها إلى أربعين لغة. [انظر: مناهل العرفان للزرقاني 1/ 182، 183، فقد ذكر بعض الأمثلة لألفاظ جاءت في القرآن من لغات غير التي ذكروها، وذكر مَن قال بأن في القرآن أربعين لغة عربية.]

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير