3. أن أصحاب هذا القول اختلفوا في تعيين تلك اللغات وحصرها، فلو كان المراد بالأحرف السبعة ما قالوه لما خفي على الصحابة تعيين تلك اللغات، ولما خفيت علينا أيضاً. [انظر: كتاب: حديث الأحرف السبعة للدكتور عبدالعزيز بن عبدالفتاح القاري ص 72، 73.]
4. أن الآثار التي استدلوا بها على قولهم آثار ضعيفة لاتقوم بها حجة. [انظر الذين قالوا به في كتاب مناهل العرفان للزرقاني 1/ 159 - 160.]
وأمَّا القول السادس الذي ذكره ابن عبدالبر، وهو أن المراد بالأحرف السبعة وجوه التغاير السبعة التي وقع الاختلاف فيها، وهو ما أشار إليه ابن عبدالبر بقوله: (وقال بعض المتأخرين من أهل العلم بالقرآن: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة ... ) إلخ.
فقد تعقبه ابن عبدالبر بقوله: (وهذا وجه حسن من وجوه معنى الحديث، وفي كل وجه منها حروف كثيرة لاتحصى عدداً) ا هـ.
ومفهوم كلام ابن عبدالبر هذا يدل على أن هذا القول ليس هو معنى الأحرف السبعة الواردة في الأحاديث، وإنَّما هو وجه من وجوه معنى الحديث؛ وذلك لأن هذا القول يعني أن الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن موجودة في المصحف الذي يقرأ فيه الناس اليوم كما يقول أصحاب هذا القول وابنُ عبدالبر لايرى هذا كما سيأتي - إن شاء الله -.
ولذلك قال بعد أن ذكر بعض الأمثلة للوجوه التي ذكرها أصحاب هذا القول: (وهذا يدلك على قول العلماء أن ليس بأيدي الناس من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن إلاَّ حرف واحد، وهو صورة مصحف عثمان، وما دخل فيه مِمَّا يوافق صورته من الحركات واختلاف النقط من سائر الحروف) ا هـ.
وهذا القول الذي ذكر ابن عبدالبر أنه وجه حسن من وجوه معنى الحديث قال به جماعة من العلماء، ورجحه كثير من المتأخرين. [انظر الذين قالوا به في كتاب مناهل العرفان للزرقاني 1/ 159 - 160.]
وقد ورد في بيان أوجه التغاير هذه آراء متقاربة لثلاثة من العلماء، وبين هذه الآراء روابط قوية.
أمَّا الأول منها فهو لابن قتيبة في كتابه: تأويل مشكل القرآن حيث قال: (وقد تدبرتُ وجوه الخلاف في القراءات فوجدتها سبعة أوجه:
أولها: الاختلاف في إعراب الكلمة، أو في حركة بنائها بما لايزيلها عن صورتها في الكتاب، ولايغيّر معناها، نحو قوله تعالى: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} و {أطهرَ لكم} [هود: 78] {وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ} و {هل يُجازى إلاَّ الكفور} [سبأ: 17]، {وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} و {بالبَخَلِ} [النساء: 37، الحديد: 24]، {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} و {مَيْسُرَة} [البقرة: 280].
والوجه الثاني: أن يكون الاختلاف في إعراب الكلمة وحركات بنائها، بما يغير معناها، ولايزيلها عن صورتها في الكتاب، نحو قوله تعالى: {رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ: 19] و {باعَدَ بين أسفارنا}، و {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} و {تَلِقُونه} [النور: 15]، {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} و {بعد أَمَهٍ} [يوسف: 45].
والوجه الثالث: أن يكون الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها، بما يغيّر معناها ولايزيد صورتها، نحو قوله: {وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} و {ننشرها} [البقرة: 259]، ونحو قوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} و {فُرِّغَ} [سبأ: 23].
والوجه الرابع: أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يُغيّر صورتها في الكتاب ولايغير معناها، نحو قوله: {إن كانت إلاَّ زقية} و {صَيْحَةً} [يس: 29] و {كالصوف المنفوش} و {كَالْعِهْنِ} [القارعة: 5].
والوجه الخامس: أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يزيل صورتها ومعناها نحو قوله: {وطلع منضود} في موضع {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} [الواقعة: 29].
والوجه السادس: أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير، نحو قوله: {وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق: 19] وفي موضع آخر: {وجاءت سكرة الحق بالموت}.
¥