ومما يجب أن يعلم ويعتقد أنه لا يوجد في تفسيرات الصحابة ولا التابعين وأتباعهم قول بالرأي المذموم الذي يكون عن جهل أو هوى، كما حصل فيمن جاء بعدهم من المتأخرين، بل كانوا يجتهدون على علمٍ، ولا يعني هذا أن يكون كل اجتهادهم صحيحًا، بل حالها حال الاجتهادات في الفرعيات، لكن قولهم مقدم، وهو أولى من قول غيرهم من المتأخرين، وهذا لا يُنازع فيه، وعموم اختلافهم في التفسير يرجع إلى اختلاف التنوع كما أشار إليه شيخ الإسلام في أكثر من موطن، والله أعلم.
% إذا أوردت أثر أبي عبد الرحمن السلمي الذي ذكره شيخ الإسلام، وفيه دلالة على أنَّ الصحابة كانوا يتدارسون القرآن؛، قال:» حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن ـ كعثمان وعبد الله بن مسعود وغيرهما ـ: أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي r عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا «.
وأضفت إليه أثر ابن عمر، وهو قوله:» لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن وتنْزل السورة على محمد، فنتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها؛ كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم، ولقد رأينا اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه «.
واستحضرت أثر ابن مسعود (ت: 35)، الذي يدُّل على أنهم كانوا إذا أشكل عليهم شيء من القرآن سألوا رسول الله r ، قال ابن مسعود (ت: 35):» لما نزلت هذه الآية] الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [شق ذلك على أصحاب رسول الله، وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم، فقال رسول الله: إنه ليس بذاك، ألا تسمع إلى قول لقمان لابنه:] إن الشرك لظلم عظيم [«.
واستحضرت أثر ابن عباس (ت: 68) في أقسام التفسير، الذي استشهد به شيخ الإسلام في أكثر من موطن، قال ابن عباس (ت: 68):» تفسير القرآن على أربعة وجوه: تفسير يعلمه العلماء، وجهٌ تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير لا يعلم إلا الله تعالى ذكره «().
وإذا علمت أنَّ النبي r كان يبتدئ أصحابه بالتعليم في أحيان كثيرة = ظهر لك أنَّ المدارسة التي بينهم في العلم قد تكون مع الرسول r ، وقد تكون فيما بينهم، فإذا أشكل عليهم شيء من العلم سألوا رسول الله r ، وإن كان كثير من العلم يبتدئهم به الرسول r دون سؤال منهم.
فإنَّ النتيجة التي يمكن أن تخلص إليها من جملة هذه الآثار: أنَّ النبي r بين لهم من المعاني ما احتاجوا إليه، بدلالة قوله r :» تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك كتاب الله وسنتي «.
وكان من أعظم ما يدخل في البيان أصول الدين والشرائع والمعاملات، وأنَّ الخلاف الوارد في التفسيرِ كان في أمورٍ قابلة للاجتهاد، والأمر فيها واسع، وهي ترجع إلى احتمال الآية للمعنى المذكور من عدمه.
أما الأقوال الباطلة التي ظهرت بعد جيل السلف فإنه يردُّها أمورٌ سترد الإشارة إليها في التعليق على هذه المقدمة إن شاء الله.
ـ[ناصر الماجد]ــــــــ[13 May 2003, 08:02 م]ـ
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فأود المشاركة في هذا الموضوع بعدد من النقاط أرجو أن تسهم في توضيح هذه المسألة، وأرجو أن لا أثقل عليكم:
من أول ما يجب عند البحث في هذه المسألة أن يستحضر الباحث أن ألفاظ القرآن الكريم وآياته تنقسم من جهة فهم المخاطبين لها إلى قسمين:
الأول: قسم من آيات القرآن الكريم وألفاظه، لا يحتاج إلى بيان وتفسير، وإنما يفهمه المخاطب بلغته وسليقته؛ نحو: تعال وأقبل، وذهب، وعاد، وما كان في معنى هذه الألفاظ، فمثل هذا لا يحتاج إلى تفسير وبيان؛ لأن العربي يفهمه بمقتضى كونه ناطقا بلغة العرب متكلما بها، ومن أمثلة ذلك من آيات القرآن قوله تعالى: (محمد رسول الله) وقوله: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) وقوله ((وهو الذي أحياكم ثم يميتكم)) فمثل هذا لا تدعو الحاجة إلى أن يفسر المعنى لمن يتكلم لغة العرب؛ لأن مقتضى كونه متكلما بلغة العرب أن يفهم مثل هذه الألفاظ والتراكيب، وعلى هذا النوع جاءت كثير من آيات القرآن، ويحتمل إن يقال: إن أكثر القرآن الكريم ورد
¥