تفسير الألوسي من أجل التفاسير وأوسعها وأجمعها. ومن ميزات هذا التفسير، أن صاحبه يمحص فيه الروايات ويدقق فيه الأخبار، فيرفض الإسرائيليات رفضاً باتاً. يقول الشيخ قاسم القيسي مفتي بغداد (ت:1955م) في كتابه تاريخ التفسير ما نصه: "وأما تفسير العلامة الألوسي المسمى بروح المعاني فليس له في الحجج والتحقيق ثاني اشتمل على تسع مجلدات ضخام، حوت من الدقائق والحقائق ما لا يسع شرحه كلام، وهو خال من الأباطيل والاسرائيليات والروايات الواهية والخلافات وجامع للمعقول والمنقول".
ويظهر موقفه رحمه الله منها من خلال ما يلي:
1) يسمي الألوسي أصحاب الإسرائيليات بـ (أرباب الأخبار) أو (أهل الأخبار) ولا يثق بهؤلاء الإخباريين،ويرفض قبول رواياتهم، ويتمنى لو لم ترد في كتب الإسلاميين، حيث يقول في معرض تفنيده لقصة من هذه القصص التي أوردها: "ويا ليت كتب الإسلام لم تشتمل على هذه الخرافات التي لا يصدقها العاقل لأنها أضغاث أحلام".
و يقول رحمه الله: "وقد ذكر أهل الأخبار في ماهية البيت وقدمه وحدوثه ومن أي شيء كان باباه وكم مرة حج آدم ومن أي شيء بناه إبراهيم ومن ساعده على بنائه ومن أين جاء بالحجر الأسود" ثم يعقب فيقول: "أشياء لم يتضمنها القرآن العظيم ولا الحديث الصحيح وبعضها يناقض بعضاً وذلك على عادتهم في نقل ما دب ودرج".
2) يلاحظ أن الألوسي شديد النقد للإسرائيليات التي حشا بها كثير من المفسرين تفاسيرهم مع سخرية منه أحياناً: يقول الشيخ محمد أبو شهبه: (ولم أر أحداً من المفسرين بعد العلامة الحافظ ابن كثير في تفسيره حارب الإسرائيليات والموضوعات مثل ما فعل الإمام الألوسي في تفسيره) أ. هـ.
يقول في قوله تعالى: {وخر موسى صعقاً} (الأعراف 142) قال: "ونقل بعض القصاصين أن الملائكة كانت تمر عليه أي على موسى عليه السلام حينئذ فيلكزونه بأرجلهم ... الخ" ثم يقول: "وهو كلام ساقط لا يعول عليه بوجه من الوجوه فإن الملائكة عليهم السلام مما يجب تبرئتهم من إهانة الكليم بالرجل والفحش في الخطاب".
ويقول في قصة عوج بن عنق التي رواها البغوي بعد أن قصها: "وليس العجب من جرأة من وضع هذا الحديث وكذبه على الله تعالى إنما العجب ممن يدخل هذا الحديث في كتب العلم من التفسير وغيره ولا يبين أمره" ثم قال: "ولا ريب أن هذا وأمثاله من صنع زنادقة أهل الكتاب الذين قصدوا الاستهزاء والسخرية بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم".
ويقول في التعليق على الأخبار في وصف سفينة نوح عليه السلام: "وسفينة الأخبار في تحقيق الحال فيما أرى لا تصلح للركوب فيها إذ هي غير سالمة من عيب فالحري بحال من يميل إلى الفضول أن يؤمن بأنه عليه السلام صنع الفلك حسبما قص الله تعالى في كتابه ولا نخوض في مقدار طولها وعرضها وارتفاعها ومن أي خشب صنعها وبكم مدة أتم عملها إلى غير ذلك مما لم يشرحه الكتاب ولم تبينه السنة الصحيحة".
ويعلق على من وصف التابوت بعد أن قال: "فقال أرباب الأخبار" ثم نقل أقوالاً فيه وأنه صندوق تناقله الكرماء ... ثم قال: "ولم أر حديثاً صحيحاً مرفوعاً يعول عليه يفتح قفل هذا الصندوق ولا فكراً كذلك".
وأشد ما ينتقده هو ما يمس الأنبياء وعصمتهم كما في سورة (ص) آية: (21 - 24)
3) أن الألوسي رحمه الله ربما أنكر ظاهر بعض القصص الإسرائيلية ثم يفسرها تفسيراً شارياً بعيداً كل البعد عن الحق وروح الإسلام: نقل في قصة هاروت وماروت قصة إسرائيلية أن امرأة اسمها زهرة تعلمت منهما السحر فصعدت إلى السماء فمسخت هذا النجم فأرادا العروج لها فلم يستطيعا، ثم قال: "يراد من الملكين العقل العملي والعقل النظري اللذان هما من عالم القدس، ومن المرأة المسماة بالزهرة النفس الناطقة " هذا على الرغم من إنكاره لبعض العلماء لأخذهم بظاهر القصة إلا أنه اعتبرها من الرموز والإشارات. قال الدكتور رمزي نعناعة: "ولا أدري سامحه الله كيف أعطى هذه القصة مدلولاً رمزياً وهي خرافية وهو نفسه أنكرها ظاهراً عجباً للألوسي إذا كانت القصة موجودة فكيف ينكر ظاهرها وإن لم تكن موجودة فكيف أعطاها ذلك المدلول والحق أن نزعة التصوف من الألوسي أوقعته في مثل هذه الشطحة البعيدة"
¥