3) إلا أنه مع ذلك قد وقع في ذكر الإسرائيليات بل وتحريف معنى النص القرآني ليوافق نصوص أهل الكتاب: حيث ذهب في معنى قوله تعالى {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ... } إلى أن المراد في الآيات بيان نوع من التشريع الموجود عند بني إسرائيل يتوصل به إلى معرفة القاتل المجهول ثم يربط بين هذا المعنى وبين ما جاء في التوراة فيقول: (على أن هذا الحكم منصوص في التوراة وهو أنه إذا قتل قتيل لم يعرف قاتله فالواجب أن تذبح بقرة غير ذلول في واد دائم السيلان ويغسل جميع شيوخ المدينة القريبة من المقتل أيديهم على العجلة التي كسر عنقها في الوادي ... ).
موقف الشيخ محمد رشيد رضا (27/ 5/1282هـ-23/ 5/1354هـ) من الإسرائيليات من خلال كتابه (المنار):
يقول الشيخ في مقدمة المنار: (كان من سوء حظ المسلمين أن أكثر ما كتب في التفسير يشغل قارئه عن هذه المقاصد العالية والهداية السامية، فمنها ما يشغله عن القرآن بمباحث الإعراب ... وبعضها يلفته عنه بكثرة الروايات وما مزجت به من خرافات الإسرائيليات) إلى أن قال: (وغرضنا من هذا كله أن أكثر ما روي في التفسير المأثور أو كثيره حجاب على القرآن، وشاغل لتاليه عن مقاصده العالية، المزكية للأنفس المنورة للعقول، فالمفضلون للتفسير المأثور لهم شاغل عن مقاصد القرآن بكثرة الروايات التي لا قيمة لها سنداً ولا موضوعاً)
فقد أشار رحمه الله في هذه المقدمة إلى عدم رضاه عن إدخال الإسرائيليات في التفسير ... ويظهر لنا موقفه من خلال ما يلي:
1) هو من أشد المفسرين إنكاراً للإسرائيليات، وأعنفهم على من خدعوا بها وروجوا لها ... وهو يضرب صفحاً عن ذكرها وقد يشير إليها ويبين بطلانها:
يقول في تفسير سورة الأعراف عند قوله: (وزادكم في الخلق بسطة) قال: (وفي التفسير المأثور روايات إسرائيليةُ الأصلِ في المبالغة في طولهم وقوتهم لا يعتمد عليها ولا يحتج بشيء منها) أ. هـ.
ويقول أيضاً لما عرض لقصة نوح في سورة هود: (وأما ما حشا المفسرون به تفاسيرهم من الروايات في هذه القصة وغيرها عن الصحابة والتابعين وغيرهم فلا يعتقد بشيء منه ولم يرفع شيء منه إلى النبي ?) إلى أن قال: (وكل ذلك من الأباطيل الإسرائيلية المنفرة عن الإسلام).
2) قد يذكر الروايات الإسرائيلية التي تناقلها المفسرون ثم يقارنها بما في التوراة متخذاً من ذلك دليلاً على كذبها كأنما التوراة عنده هي الأصل المعتمد أو القياس الذي تقاس عليه روايات المفسرين المسلمين فما وافقها فهو حق وما خالفها فهو باطل:
ومثال ذلك أنه عندما فسر قوله تعالى في سورة المائدة " قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين ... " قال: (أما ما روي في التفسير المأثور من وصف هؤلاء الجبارين فأكثره من الإسرائيليات الخرافية التي كان يبثها اليهود في المسلمين فرووها من غير غزو إليهم ... ) ثم يقول بعد أن أورد بعض ما ورد عن المفسرين: (وهذه القصة مبسوطة في الفصل الثالث عشر والرابع عشر من سفر العدد الذي هو السفر الرابع من أسفار التوراة وفي أولهما ... ) ومضى في نقل بعض أخبارهم من التوراة ثم قال: (فأنت ترى أنه ليس في الرواية المعتمدة عند بني إسرائيل تلك الخرافات التي بثوها بين المسلمين في العصر الأول وإنما فيها من المبالغة ... ).
قال الدكتور محمد حسين الذهبي: (ولست أرى وجهاً للمقارنة بين ما ذكره المفسرون وما نقل عن التوراة فالتوراة دخلها التحريف والتبديل فالاحتكام إليها غير صحيح، ثم لِمَ يهوِّن الشيخ من مبالغات التوراة وما فيها قريب مما كتب في التفسير؟ الحق أن هذا مسلك ما كان للشيخ رحمه الله أن يسلكه).
ويقول عند الآيات الواردة في قصة آدم عليه السلام من سورة الأعراف: (ومن أراد الإسرائيليات فليرجع إلى المتفق عليه عند أهل الكتاب ليعلم الفرق بين ما عندنا وما عندهم بأن يراجع هنا سائر ما ورد في القصة بعد الذي نشرناه منها في سفر التكوين دون غيره مما لا يعرف له أصل عندهم، هو في الفصل الثالث منه .. ) ثم يسوق ملخص ما في سفر التكوين ثم يقول: (إذا علمت هذا فلا يغرنك شيء مما يروى في التفسير المأثور في تفصيل هذه القصة فأكثره لا يصح وهو أيضاً مأخوذ من تلك الإسرائيليات المأخوذة عن زنادقة اليهود الذين دخلوا في الإسلام للكيد له وكذلك الذين لم
¥